الخميس، 16 يوليو 2015

البيان المُجْدِي في إثبات صحّة إفادة السّيد المُهري


دفع الإشكال المثار على ما أفاده سماحة السيد مرتضى المهري (حفظه الله تعالى)
حول خمس زكاة الفطرة

(محاكمة علميّة بين أُطروحتَيْن)

بقلم الشّيخ/ جابر جوير


بسم الله الرّحمن الرّحيم

     الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على خير خلقه محمّد وآله الطّيبين الطّاهرين الهُداة المهديين.

     وبعد، قد أُثيرت في الآونة الأخيرة بعض الإشكالات، وما رافقها مِن لغط على خلفيّة ما طرحه سماحة العالم الجليل السّيد مُرتضى المُهري (حفظه الله تعالى) حول ما يرتبط بخُمس زكاة الفِطرة، مع أنّ ما أفاده سماحته (دام عزّه) متين لا غُبار عليه!

     ولعلّ هذه المسألة بمثابة الأنموذج لما يتمّ إدارة طرحه وتداوله في ساحتنا بمعزل عن الموضوعيّة وبعيداً عمّا يقتضيه البحث العِلمي، كما هو الحاصل في غيرها مِن مسائل وملفّات موسميّة تطلّ مِن حين لآخر، والتي لا زالت تُرهق وتُربك كثيراً مِن المؤمنين (سلّمهم الله)، وما يترشّح عن ذلك مِن انشغالهم بما لا يرجع إلى مُحصّل مع الأسف الشّديد! ؛ ولذا أجدني مُكلّفاً بدافع المسؤوليّة العِلميّة والأمانة الأدبيّة، والتّكليف الشّرعي -بحسب تشخيصي- إلى الكتابة في هذه المسألة بما يُجلّيها، ويعيد مكوّناتها إلى مواقعها الصّحيحة مع احترامنا المحفوظ للجميع؛ كي لا يخفى الحقّ على أهله، وبنمأى عن الغوغائيّات والصّبيانيّات التي تغيب معها الضّوابط العِلميّة، والمُقرّرات الأخلاقيّة، والتي باتت تستهوي بعض المُتابعين في السّاحة مع بالغ الأسف، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.

     سائلاً المولى العلّي القدير (تبارك وتعالى) أنْ ينفع بما أكتُب، ويرزقني السّداد في القول، وتمام الإخلاص في العمل، ويُهيّئ لي مِن أمري رشداً، إنّه سميع الدّعاء.


جابر جُوَيْر
يوم الخميس
28 مِن شهر رمضان المُبارك 1436 هـ
الموافق: 16 يوليو 2015 م.


ويقع الكلام مِن جِهتين:

الجِهة الأولى (الأطروحة الأولى) : أطروحة السّيد مُرتضى المُهري (حفظه الله تعالى) (تقرير ومزيد توضيح)

الجِهة الثّانية (الأطروحة الثّانية): أطروحة المُستَشْكِل على الأطروحة الأولى ومناقشتها

الجِهة الأولى (الأطروحة الأولى)
أطروحة السّيد مُرتضى المُهري (حفظه الله تعالى) (تقرير ومزيد توضيح)

     أفاد سماحة السّيد مُرتضى المُهري (حفظه الله تعالى) في بعض مجالسه العِلميّة، والمُسجّلة صوتيّاً، والمنشورة في موقعه الرّسمي، في قسم الصّوتيّات (المُحاضرات الأسبوعيّة)، بعنوان: (زكاة الفِطرة)، برقم: (3)، وبتأريخ: 25-7-2014م[1]، وهو منشور على موقع (يوتيوب) أيضاً، بعنوان: (أحكام زكاة الفطرة السيد مرتضى المهري)[2]، في الدّقيقة : (2:17 إلى 4:45)، أفاد ما حاصله:

     أوّلاً: عالج فكرة خاطئة يتم تداولها في بعض أوساط المؤمنين (سلّمهم الله)، حاصلها: التّمييز بين فطرة مَن يُخمّس أمواله ومَن لا يُخمّسها، على نحو صَنَعَ فهماً مغلوطاً عند بعضهم؛ بحيث ارتكز في ذهنه ارتباط الخُمس بزكاة الفِطرة، نظير ما ارتكز في ذهن البعض الآخر ارتباط الخُمس بالحجّ، مِمّا ألقى بظلاله على ممارستهم للوظيفة الشّرعيّة بنحو لا ينسجم مع واقع التّشريع وتوجيهاته، بحيث أهملوا فريضة (الخُمس) وكأنّ المُكلّف -حسب وعي هؤلاء- يُعفى عن مسؤليّته وتبرأ ذمّته مِن الخُمس إنْ أقدم على هكذا خُطوة، أعني تخميس مال الحجّ، أو مال زكاة الفِطرة!

     ولذلك يقول سماحته (حفظه الله تعالى) : (بعضهم يتصوّر أنّ الخمس مرتبط بالحجّ، رحت حجّيت خمّست ، وخلاص! بعد ما أخمّس!، كأنّ الخمس للحجّ!.. ما أدري أنا منو قايل الخُمس مُرتبط بالحجّ أو بالفِطرة؟!).

     وبذلك نفى سماحته (حفظه الله تعالى) وجود شيء مِن هذا القبيل في فقه أهل البيت (عليهم الصّلاة والسّلام)، وفكَّ الاشتباك الحاصل، فنفى عنوان (خُمس الفِطرة) الذي يستوحي مِنه بعض المؤمنين ارتباط الخُمس بالفِطرة على الصّورة التي ذكرناها، فالصّحيح: أنّ الخُمس مطلوب بعنوانه العام، لا بخصوص زكاة الفِطرة، على وجه ينتج معه عنوان خاص غير قابل للإنفكاك وهو (خُمس زكاة الفِطرة).

     ثمّ ذكر شاهداً مِن تجربته مع والده الرّاحل سماحة آية الله السّيد عباس المُهري (قده) مع مَن يعزف عن الخُمس، والتي مفادها حرص والده (قده) على تفهيم النّاس بعدم ارتباط عنوان الخُمس في خصوص الفِطرة، وكونه سيّالاً يعمها هي وغيرها من أموال المُكلّف.

     ثانياً: ثمّ عمّق فكرته، وردم ما يُمكن أنْ تُخلّفه أُطروحته مِن اشتباه -ومع ذلك وقع فيه مَن استشكل كلامه!- فأكّد على ضرورة إخراج خُمس زكاة الفِطرة في خصوص ما تعلّق به الخُمس مِن أموال المُكلّف الذي لا يُخمّس، ثم حكى صريحاً عن موقفه مع مَن يفعل ذلك، فيطلب منه تخميس ماله ثمّ إخراج زكاة فِطرته.

     ولذا قال: (يقول ألحين إحنا ما نخمّس بس الفطرة شلون؟...أنا أقول له: أوّل شيء روح خمّس بعدين تعال ادفع الفِطرة....).

     ثالثاً: ثمّ عَمَد إلى تفصيل أكثر لاستيعاب تمام جوانب المسألة، فميّز بين مَن حالت رأس سَنَتِه الخُمسيّة وقصّر فلم يُخمّس ما تعلّق به الخُمس مِن أمواله، وبين مَن لم يحن أوان رأس سَنَتِه، فصرّح بأنّ الثّاني لا يجب عليه الخُمس؛ ومِن ثمّ يكون تكليفه دفع زكاة الفِطرة مُجرّدة عن خُمسها؛ لكونها ليست مُتعلّقاً للخُمس؛ لعدم استيفاء الشّرط وهو حلول الحَوْل (مرور رأس السّنة الخُمسيّة).

    ولذا يقول ضِمن حديثه عن الرّاتب الذي لم تحلّ رأس سنته الخمسيّة: (هذا ما متعلق فيه الخُمس، خوب، خلاص حتّى لو وهو ما يخمّس يدفع الِفطرة مِنه، ما فيه إشكال؛ الفِطرة صحيحة).

     هذا تمام أطروحة سماحته (دامت توفيقاته) -بحسب ما أفهمه- ، وما أفاده في غاية الصّحة ومُنتهى المتانة، وسالم عن الإشكال مِن جميع الجِهات، فقد أجاد فيما أفاد -لا حرمنا الله مِن بركته- وهو موافق لما يذهب إليه مراجعنا العِظام رحم الله الماضين مِنهم، وحفظ الله الباقين، ويُمكن مُراجعة كلماتِه، والاستماع إلى التّسجيل بدقّة، لتطبيق ما قرّرناه وشرحناه مع واقعها، وقد أشرنا إلى رابطه في الحاشيّة، فليُراجع.

الجِهة الثّانية (الأطروحة الثّانية)
أطروحة المُستَشْكِل على الأطروحة الأولى ومناقشتها

     ويقع الكلام فب مطلبَيْن:

     المطلب الأوّل: عرض الأطروحة الثّانية (=أطروحة المُستَشْكِل على أطروحة السّيد المُهري)

     المطلب الثّاني: مُناقشة الأطروحة الثّانية

المطلب الأوّل
عرض الأطروحة الثّانية (=أطروحة المُستَشْكِل على أطروحة السّيد المُهري)

     بعد انتشار وتداول التّسجيل الصّوتي المذكور لسماحة السّيد مرتضى المُهري (حفظه الله تعالى)؛ أشكل البعض (وفّقه الله لخدمة المذهب) في موقعه الرّسمي على (تويتر).

     فقال: (ما يقال من عدم وجود خمس زكاة الفطرة غير صحيح ، فإخراج خمس زكاة الفطرة واجب على من لا يخمس وتعلق الخمس بالمال الذي يريد دفع الزكاة منه).[3]

     ثم نقل بعض الفتاوى لتدعيم موقفه:

     أوّلها: للمرجع الكبير الرّاحل السّيد الخوئي (قده)، وبإمضاء المرجع الكبير الرّاحل الميرزا التّبريزي (قده) مِن كتاب (صِراط النّجاة).
     قال المُستَشْكِل [4] :
     (صراط النجاة ج٢ ص١٨٦ للسيد الخوئي وبإمضاء الميرزا التبريزي: س: هل يجب على من لا يخمس أن يخرج خمس زكاة الفطرة؟ ج: نعم يجب أن يخرج خمس زكاة الفطرة).

     ثانيها: بعض استفتاءات مكتب المرجع الكبير السّيد السيستاني (دام ظلّه الشّريف).
     قال المُستَشْكِل [5]:
     (وفي بعض الاستفتاءات لمكتب السيد السيستاني ما يدل أيضا على ذلك فراجع السؤال 78 و 82 في هذا الرابط:

     ثمّ علّق المُستَشْكِل على جواب السّؤال (78) المُوجّه لمكتب المرجع السّيد السّستاني (دام ظلّه)، والمُشار إليه سابقاً، وهو: (ما هو الفرق بين خُمس الفِطرة في شهر رمضان، وخُمس الأموال؟، ج: لا يجب الخُمس في الفِطرة، إذا دُفعت مِن أرباح السّنة، لا مِن أرباح السّنة السّابقة).

     فقال (المُستَشْكِل) : (وهو يفيد وجوب خمس المال الذي تعلق به الخمس وهو ماقلته ففرق بين نفي أصل الموضوع وهذا باطل وبين الحديث عن مورد الانطباق وعدمه وهو صحيح)[6].

     وقال : (وإذا حصل خلل عند بعض الناس في التطبيق فدفعوا في مورد لا يجب عليهم فيه فهذا لا علاقة له بأصل الحكم الصحيح بوجوب خمس الزكاة في مورده)[7].

المطلب الثّاني
مُناقشة الأطروحة الثّانية

     أقول: إشكاله غير ناهض؛ لكونه أجنبياً عمّا هو مطروح في الأطروحة الأولى، ومع كون موطن الخلل في كلام المُستَشْكِل واضحاً، بعدما أوضحنا كلام سماحة السّيد المُهري (حفظه الله تعالى) فوق وضوحه -في محلّه فيما تقدّم-، إلاّ أنّه لا بأس بالبيان والتّقريب :

     إنّ المُستَشْكِل خلط بين مُراد سماحة السّيد المُهري (حفظه الله تعالى)، وبين مطلب آخر لا ربط له فيما نحن فيه؛ فالأوّل (=مُراد السّيد المُهري) شيء آخر غير ما أفاده صاحب الإشكال، فمِن الواضح أنّ سماحة السّيد المُهري (حفظه الله تعالى) لا يدّعي (عدم وجود خُمس زكاة الفطرة) مُطلقاً، بحيث ينفي أصل الموضوع -على حدّ تعبير صاحب الإشكال- وإنّما نفى ذلك العنوان بلحاظ فهمِه والتّعاطي السّلبي معه، والتّطبيق السّيء له في مقام العمل مِن قبل بعض المؤمنين، بحدًّ جُعل مِنه عنواناً خاصّاً يختزل الخُمس ويضيّقه فيقصره على هذه الزّكاة، فهو في مقام مُعالجة مُشكلة سائدة في بعض أوساط المؤمنين، بيّنّاها مِن خلال كلماته (حفظه الله تعالى) بما لا لبس فيه آنفاً، مع تشديده -في أكثر مِن صياغة تالية ألحقها بكلامه هذا- على ضرورة كون أصل الموضوع محفوظاً؛ مِما يوجب إخراج خُمس زكاة الفِطرة في مورده، أي في خصوص ما تعلّق به الخُمس، فميّز بين مورد الانطباق وعدمه بضميمة إشارته ومعالجته للمُشكلة المفاهيميّة والتّطبيقيّة المذكورة في مطلع حديثه.
    
      وعليه: فإنّ كلام المُستَشْكِل الذي يطرحه بوصفه بديلاً صحيحاً عن كلام سماحة السّيد المُهري (حفظه الله تعالى) هو عينه كلام سماحته بلا فرق مِن هذه الجِهة، وحينئذ: لا معنى لإثارة إشكاله أصلاً، فتدبّرهما جيّداً !

     ولعلّ منشأ الاشتباه الذي وقع فيه المُستَشْكِل يكمن في تعيين المُراد الجِدّي لسماحة السّيد مُرتضى المُهري (حفظه الله تعالى) فيما صرّح به  في أوّل حديثه، وهو قوله: (ما عندنا شي اسمه خمس الفِطرة)، فتلقّاها المُستَشْكِل على غير جِهتها، وانتزعها مِن سياقها، فصدّر أطروحته بقوله: (ما يقال من عدم وجود خمس زكاة الفطرة غير صحيح...إلخ).
     
     ولا يوجد ما يُبرّر هذا الإجراء -صناعيّاً- سوى دعوى التّمسك بظهور هذه العبارة بمقتضى الإطلاق القاضي بنفي تمام أفراد العنوان المنفي (=خُمس زكاة الفِطرة)، بحيث يتم نفي عنوان (الخُمس) عن كل مال يصدق عليه عنوان (زكاة الفِطرة).

    إلاّ أنّ هذا في غير محلّه، فإنّ الشّأن كلّه في انعقاد الظّهور -الذي يُمكن أن يُزعم- لتصحيح الدّعوى، والصّحيح أنّه لم ينعقد أصلاً؛ لمكان اشتمال الكلام على قرائن لفظيّة مُتّصلة صريحة بثبوت العنوان لبعض الأفراد، أعرض عن مُلاحظتها المُستَشْكِل، والتي هي في المقام: المال غير المُخمّس الذي تعلّق به الخُمس لحلول رأس سنَتِه الخُمسيّة، نظير قول السّيد المُهري (حفظه الله تعالى) : (يقول ألحين إحنا ما نخمّس بس الفِطرة شلون؟...أنا أقوله أوّل شي روح خمّس بعدين تعال ادفع الفِطرة....).

     وبذلك يتعيّن مُراده الجِدِّي مِن تلك العِبارة، وهو عدم إرادة الإطلاق، ويندفع الإشكال المُثار مِن رأس.

    وأمّا ما نقله المُستَشْكِل مِن فتاوى الفُقهاء العِظام (السّيد الخوئي والميرزا التّبريزي (قدههما) )، و(السّيد السّيستاني (دام ظّله الشّريف) )؛ فإنّ صاحب الأطروحة الأولى (=سماحة السّيد مُرتضى المُهري (حفظه الله تعالى) ) لم يتجاوزها، بل دار في فلكها، واستند إليها حتّى طابق مؤدّى كلامه كلامهم كما عرفت مِن المُراد مِن عباراته التي وقعت موضع الإشكال عند المُستَشْكِل.

     والله مِن وراء القصد، والحمد لله أوّلاً وآخراً، وصلّى الله على محمّد وآله الطّاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

جابر جُوَيْر
يوم الخميس
28 مِن شهر رمضان المُبارك 1436 هـ
الموافق: 16 يوليو 2015 م.