الاثنين، 2 يونيو 2014

جهل (الدّمشقيّة) بعلم الحديث السُّنّي


جهل (الدمشقية) بعلم الحديث السني
بقلم/ الشّيخ جابر جوير
باسمه تعالى
توطئة:
    نشر المدعو (الدّمشقيّة) مقطع فيديو مسّجّل على موقع (يوتيوب)، اشتمل على مُغالطات وتجاوزات علميّة؛ اقتضت ضرورة بيان الحقّ لأهله أنْ نقف عند أبرزها ونُبيّن ما فيها.
     اشتمل كلام (الدّمشقيّة) على محاولة بائسة لتفسير بعض كلمات الألباني بخصوص حديث (الرّايات السّود)؛ فكشف بمحاولته هذا عن جهله بعلم الحديث السّني، مُضافاً إلى قصور ذهنه عن استيعاب طريقة أعلام مذهبه في علم الحديث، بل وبُعْده جداً عن الذّوق الصّناعي.
     والتّحقيق يقتضي أنْ يقع الكلام من ثلاث جهات:

     الجهة الأولى: نقل كلام الألباني
قال الألباني في (سلسلة الأحاديث الضّعيفة ج1 ص195-197 ح85)  :
     (يُقْتَلُ عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم، ثم ذكر شيئا لا أحفظه فقال: فإذا رأيتموه فبايعوه ولوحبوا على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي)
    (وفي رواية:
    إذا رأيتُم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فأتوها ولو حبوا.. إلخ).
    منكر. أخرجه ابن ماجه (518 - 519) والحاكم (4 / 463 - 464) من طريقين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان مرفوعا بالرواية الأولى، وأخرجه أحمد (5 / 277) عن علي بن زيد، والحاكم أيضا (4 / 502) من طريق عبد الوهاب بن عطاء عن خالد الحذاء عن أبي قلابة به، لكن علي بن زيد وهو ابن جدعان لم يذكر أبا أسماء في إسناده، وهو من أوهامه، ومن طريقه أخرجه ابن الجوزي في كتاب " الأحاديث الواهية " (1445) مختصرا وابن حجر في " القول المسدد في الذب عن المسند " (ص 45) وقال: وعلي بن زيد فيه ضعف...وقد ذهل من صححه عن علته، وهي عنعنة أبي قلابة، فإنه من المدلسين كما تقدم نقله عن الذهبي وغيره في الحديث السابق ولعله لذلك ضعف الحديث ابن علية من طريق خالد كما حكاه عنه أحمد في " العلل " (1 / 356) وأقره.
     لكن الحديث صحيح المعنى، دون قوله: فإن فيها خليفة الله المهدي فقد أخرجه ابن ماجه (2 / 517 ـ 518) من طريق علقمة عن ابن مسعود مرفوعا نحورواية ثوبان الثانية.
     وإسناده حسن بما قبله، فإن فيه يزيد بن أبي زياد وهو مختلف فيه فيصلح للاستشهاد به، وليس فيه أيضا ذكر خليفة الله ولا خراسان.
      وهذه الزيادة خليفة الله ليس لها طريق ثابت، ولا ما يصلح أن يكون شاهدا لها، فهي منكرة كما يفيده كلام الذهبي السابق، ومن نكارتها أنه لا يجوز في الشرع أن يقال: فلان خليفة الله، لما فيه من إيهام ما لا يليق بالله تعالى من النقص والعجز، وقد بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى...إلخ). انتهى كلام الألباني.

    الجهة الثانية: نقل كلمات (الدّمشقية)، مع تقريرها مُختصراً
     ملاحظة: يُمكن مراجعة الرّابط الآتي لمشاهدة مقطع (الفيديو) للدّمشقيّة:

    ألف: أنّ الألباني في مقام الإشارة إلى صحّة معنى الحديث، وليس السّند، ولا ملازمة بين صحّة المعنى وصحّة السّند.
     قال في (الدّقيقة: 6:48 وما بعدها):
     (الألباني قال: لكن الحديث صحيح المعنى، الآن الألباني ما عم يتكلم عن السند، عم يتكلم عن أنّه لفظ الحديث ليس فيه خطأ، خطأ عقائدي... يقول: لكن الحديث صحيح المعنى، عم يتكلم عن المعنى، عن المعنى، هناك أحاديث كثيرة صحيحة المعنى، ولكنها لم تصح سنداً...)
     وقال في (الدّقيقة: 23:38)
     (أما الحديث الذي يكون صحيح المعنى ومع ذلك يبقى ضعيفاً سنداً، فما أكثر من ذلك، مثلا حديث: (إذا قمتم إلى الصلاّة فلا تسبقوا قارئكم إلى الركوع والسجود، ولكنه هو يسبقكم)، هذا حديث كلام صحيح، ولكن الإسناد ضعيف، وصحة المعنى...لا تصح الإسناد، حديث مثلاً: (أدبني ربي فأحسن تأديبي)، حديث: (الصلاة نور المؤمن هذه أحاديث صحيحة المعنى...).

     ب: إرجاع الضّمير في قول الألباني: (وإسناده حسن بما قبله)، إلى يزيد بن أبي زياد! ، والاستدل على ذلك بقول الألباني في يزيد بن أبي زياد: (وهو مختلف فيه، فيصلح للاستشهاد به)!
    قال في (الدّقيقة: 9:39 وما بعدها) :

     (عن ماذا يتكلم، عن إسناده، يعني سند الحديث، رجال السند، نعم، السند بهؤلاء الرجال حسن بما هو قبل يزيد بن أبي زياد...ما الدليل على ذلك؟ يقول: وهو مختلف فيه، يعني: يزيد بن أبي زياد، مختلف فيه، فيصلح الاستشهاد به، يعني: يزيد يصلح إذا كان رواية خفيفة الضعف يصلح الاستشهاد به...).
    وقال في (الدّقيقة 13:29 وما بعدها) :

     (الرّواية اللّي هي ضعيفة، وإسنادها حسن بما قبل يزيد...).
    
      ج: استناد (الدّمشقيّة) في صحّة توجيهه لكلام الألباني - مضافاً لما سبق- إلى كون الألباني لم يذكر الحديث في (صحيح سنن ابن ماجة)، كما أنّه ضعّفه بطريقيه، (أعني: طريق أبي قلابة، وطريق ابن أبي زياد) في (ضعيف سنن ابن ماجة).
    في (الدّقيقة: 11 وما بعدها) ، قرأ من (صحيح سنن ابن ماجة)، ولمّا لم يذكر الألباني الحديث فيه؛ رتّب على ذلك أن الألباني لم يحسّن الرواية.
    ثم قرأ من (ضعيف ابن ماجة) الحديثين محل البحث، وقال: أنّ الألباني لم يصححها...
    وقال في الدّقيقة: 16:30 وما بعدها:
    (الألباني كما رأيتم الأحاديث في ضعيف ابن ماجة لم يصححها، بل ضعهفا، لو كان كلام الالباني عن رواية، عن تصحيح الإسناد، لو كان كلامه اسناد حسن يعني كله اسناد حسن، بما قبله يعني الرواية اللي قبلها، فقد رأينا أنه ضعف الروايتين).
    وقال في الدقيقة: 24:53 وما بعدها:
    (إذن لذلك أقول الألباني ما حسن الإسناد، لا، لو حسن الإسناد، لوجدنا أثر التحسين في كتبه الأخرى، لا في ابن ماجة حسن حديثا حول الرايات السود
 ولا في غيره، إذن ماذا سوف نستنسج الآن، أن الألباني صحح؟ روح فتش على فتش فتش في بطون كتب الألباني شوف إذا صحح رواية يزيد بن أبي زياد...).
    قال في الدقيقة: 26:22 وما بعدها:
    (ونحنا بينا لكم، هذا ضعيف ابن ماجة، كان الألباني يتكلم عن ابن ماجة، لماذا ما صحّح الإسناد هنا في الروايتين، في الإسنادين، لو كان كلامه عن إسناد الحديث، وإنما كان يتكلم عن رجال السند بما هو قبل يزيد بن أبي زياد...).

     د: واستدل بوجه ثالث – وهو عائد إلى سابقه (ب) - على توجيهه لكلام الألباني، وحاصله: أنّ الألباني كثيراً ما يذكر في كتبه أنّ ابن أبي زياد يصلح للاستشهاد به!   
     قال: (في الدّقيقة: 15 وما بعدها) :
    (ما الدّليل على أنّ قوله (وإسناده حسن بما قبله) أي بما قبل يزيد، قال: فإنه مختلف فيه، فيصلح للإستشهاد به، هو ما ذكره في كثير من كتبه، الألباني، كثير من كتبه عن يزيد بن أبي زياد، نفس الكلام، أنه مختلف فيه، وأنه يصلح الاستشهاد به، خلينا نشوف الآن هذا سلسة الأحاديث الصحيحة، المجلد الثاني، الصفحة بارك الله فيكم 471، ذكر حديثاً، اللي هو حديث: خير التابعين رجلاً من قرن، يقال له أويس، ثم ذكر، قال وهذا سند ضعيف من أجل شريك ويزيد يعني يزيد بن أبي زياد، قال فإنهما ضعيفان من قبل حفظهما، فحديث حسن في الشواهد، يعني يصلح الاستشهاد به عند الشواهد، يصلح الاستشهاد به، أما هو دون الشواهد ، لا ، وقس على ذلك كثيرا عند ذكر يزيد بن أبي زياد، يقول الألباني، يعني ها، يعني مختلف فيه ، نعم ويصلح الاستشهاد به، يصلح الاستشهاد، لكن ليس على معنى التصحيح، لأن الألباني كما رأيتم الأحاديث في ضعيف ابن ماجة لم يصححها، بل ضعهفا، لو كان كلام الألباني عن رواية عن تصحيح الإسناد، لو كان كلامه إسناده حسن يعني كله إسناده حسن، بما قبله يعني الرواية اللي قبلها، فقد رأينا أنه ضعف الروايتين يا أعمى الروايتين ضعفهم فكيف تقول أنه أراد بذلك تحسين الرواية الأولى اللي في، الي في ماذا اللي في ابن ماجة، الروايتين قال عنهما ضعيفتان، فإذن قول الألباني:...وإسناده حسن بما قبله، أي بما قبل يزيد بن أبي زياد).

     هـ: زعم الدّمشقيّة أنّ معنى كلام الألباني هو نفسه ما أفاده الهيثمي في (مجمع الزّوائد) في تعليقته على الحديث.

      قال: (في الدّقيقة في 18:04 وما بعدها)، بعد أنْ قرأ راوية يزيد بن أبي زياد من (ضعيف سنن ابن ماجة) :
     (فإن الإسناد اللي هو: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا معاوية بن هشام حدثنا علي بن صالح إلى هنا إسناده حسن، المشكلة في يزيد بن أبي زياد، وهذا ما أذكر أنه قول الهيثمي بما قبل يزيد بن أبي زياد إسناد صحيح).

     الجهة الثالثة: مناقشة ما ذكره (الدّمشقيّة)
     أقول: حاصل ما ذكره (الدّمشقيّة)، أنّ الألباني لم يُحسّن إسناد الحديث من رواية ابن ماجة، من طريق ابن أبي زياد، واستدل على ذلك بأمرين:
      الأمر الأوّل: أنّ الألباني في مقام الحديث عن صحّة معنى الحديث، وليس السّند، ولا ملازمة بين صحّة المعنى وصحّة السّند.
     الأمر الثّاني: أنّ مرجع الضّمير في قول الألباني: (وإسناده حسن بما قبله)، هو: يزيد بن أبي زياد! ، واستدل على ذلك بوجهين:
      الوجه الأوّل: قول الألباني في يزيد بن أبي زياد: وهو مختلف فيه، فيصلح للاستشهاد به)!
      الوجه الثّاني: عدم ذكر الألباني الحديث في (صحيح سنن ابن ماجة)، كما أنّه ضعّفه بطريقيه، (أعني: طريق أبي قلابة، وطريق ابن أبي زياد) في (ضعيف سنن ابن ماجة).
     الوجه الثّالث: أنّ الألباني كثيراً ما يذكر في كتبه أنّ ابن أبي زياد يصلح للاستشهاد به!

     والجواب عن كل ذلك، يقع من جهتين:
     الجهة الأولى: بيان المعنى الصّحيح لكلام الألباني
     أقول: أوقع (الدّمشقيّة) نفسه في مغالطة كبيرة؛ فإنّه لم يستطع أنْ يفهم عبارة الألباني على الوجه الصّحيح في قوله: (وإسناده حسن بما قبله)، والتي ساقها في مقام التّعليق على رواية ابن ماجة لنفس الحديث، ولكن من طريق آخر، هو: طريق يزيد بن أبي زياد، فأرجع (الدّمشقيّة) الضّمير في (قبله) إلى يزيد بن أبي زياد، مع أنّ الصّحيح: أنّه راجع إلى الحديث المروي بالطّريق الآخر الذي ذكره الألباني، حيث ذكر الألباني طريقين للحديث:
      أوّلهما: من طريق أبي قلابة.
     والثّاني: من طريق يزيد بن أبي زياد، وأعلّ الأوّل بعنعنة أبي قلابة.
     وحينئذ: يكون المعنى الصّحيح: أنّ طريق الحديث الثّاني الذي هو طريق ابن أبي زياد حسنٌ بضميمة طريق أبي قلابة الذي أخرجه ابن ماجة، والحاكم، وأحمد برواياتهم المتعددّة إليه.
     وعلّل الألباني وجه تحسينه لرواية يزيد بن أبي زياد، بقوله: (فإن فيه يزيد بن أبي زياد، وهو مختلف فيه، فيصلح للاستشهاد به).
    وذلك لأنّه: تقرّر في محلّه عندهم، ومنهم الألباني: أنّه إنّما يفيد في الشّواهد الرّاوي الصّدوق الذي ضعف من قبل حفظه (لاحظ: السّلسّلة الضّعيفة للألباني ج2 ص251)، فيشترط في الشّواهد أن لا يشتد ضعفها (لاحظ: السّلسّلة الضّعفية للألباني ج8 ص425، والنّصيحة للألباني ص208).
    ويزيد بن أبي زياد عند الألباني (فيه ضعف من قبل حفظه) (إرواء الغليل ج2 ص25، وج4 ص226)، و(ضعيف من قبل حفظه) (الظلال ص259، الصحيحة ج2 ص451، وفضل الصلاة ص54)، و(فيه ضعيف لسوء حفظه) (حقيقة الصيام ص69) و(ضعيف لسوء حفظه) (الضعيفة ج3 ص477) ، و(سيء الحفظ) (الصحيحة ج2 ص447، والمشكاة ج1 ص102).
    والحاصل: أنّ الرّجل حسن في الشّواهد، ولذا قال أبو إسحاق الحويني (تلميذ الألباني) في كتابه (غوث المكدود ج1 ص128 ح124) : (قال أبو زُرعة: (ليّن يُكتب حديثه، ولا يُحتجُّ به). يعني أن حديثه حسن في الشواهد).
     والنّكتة في تحسين الحديث: أنّ حكم الألباني على الحديث بطريقه الأوّل بالنّكارة لاشتماله على علّتين:
    الأولى: تدليس أبي قلابة.
    الثّانية: نكارة المتن.
    قال في (ضعيف التّرغيب والتّرهيب ج1 ص4-5) عن (المنكر) : (هو الذي في إسناده ضعيف خالف الثّقة في متنه، وقد يكون منكر المتن ولو لم يُخالف).
    ولمّا انتفت النّكارة من جهة المتن في الحديث المروي من طريق يزيد بن أبي زياد؛ لكونه لا يشتمل على الزّيادة المُستنكرة عند الألباني، وكذا انجبار ضعف (يزيد ابن أبي زياد) اليسير من جهة حفظه بالمروي من طريق أبي قلابة، وكان طريق أبي قلابة مشتملاً على قدر مشترك مع ما ورد من طريق بن أبي زياد؛ ارتقى الحديث إلى مرتبة الحسن.
    نعم، الحديث من طريق ابن أبي زياد في نفسه لا سبيل إلى تحسينه – بحسب مبنى الألباني- ، وكذا حديث أبي قلابه، ولكن بضمّ أحدهما إلى الآخر يصحّ تحسين القدر المشترك بينهما؛ فيُحكم عليه بكونه حسن بمجموع الطّريقين، ولمّا كان طريق ابن أبي زياد لم يشتمل على الزيّادة المنكرة عند الألباني المذكورة في الطّريق الآخر؛ استحقّ تحسينه، وإلاّ حتى الطّريق الآخر حسن بمجموع الطريقين باستثناء هذه الزيادة، فتنبّه!
     ويشهد على صحّة ما ذكرناه: أنّ الألباني حكم بصحّة معنى الحديث المروي من طريق أبي قلابة، وإنْ ضَعُف سنده، مُستنداً إلى ما ذكرناه آنفاً في تصحيحه المتقدِّم؛ فقال: ( لكن الحديث صحيح المعنى، دون قوله: فإن فيها خليفة الله المهدي فقد أخرجه ابن ماجه (2 / 517 ـ 518) من طريق علقمة عن ابن مسعود مرفوعا نحو رواية ثوبان الثانية. وإسناده حسن بما قبله...).
    فهو إنّما ساق حديث ابن ماجة الآخر (أعني المروي من طريق ابن أبي زياد) كي يُثبت كون معنى الأوّل صحيحاً، ولذا قال: ( لكن الحديث صحيح المعنى...فقد أخرجه ابن ماجة...).
    ولا معنى يستقيم لكلامه إلاّ على الوجه الذي ذكرناه، فتدبّر. 

     الإشارة إلى موافقة نتيجة ما ذكرناه لفهم بعض المحققين المُعاصرين :
     هذا، وينبغي أنْ نشير هنا إلى أنّ بعض المحققّين المُعاصرين من القوم فهموا نفس المعنى الذي فهمناه من كلام الألباني، ومنهم: (الدكتور بشير علي عمر) في رسالة الدكتوراه التي أُجيزت بتقدير الشّرف الأولى مع التوصية بالطّبع من قسم الحديث بكلية الحديث الشّريف والدراسات الإسلاميّة بالجامعة الإسلاميّة بالمدينة النبوية المُشرّفة.
     قال الدكتور المذكور في رسالته الدّكتوراه المُعنونة بـ(منهج الإمام أحمد في إعلال الأحاديث ج1 ص274-275 الهامش:7 ، ط: وقف السّلام الخيري، المملكة العربيّة السعوديّة، الطّبعة الأولى، ذو الحجة 1425-2005م) : (وقد اعتمده-أي الحديث من طريق أبي قلابة- الشيخ الألباني، فحسن حديث يزيد بن أبي زياد بحديث ثوبان دون قوله في حديث ثوبان: ((فإن فيها خليفة الله المهدي)) (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1/197)، ورأى أن ما يُستنكر من هذا الحديث هو هذه اللفظة وحدها).

     الجهة الثّانية: مناقشة ما استدل به (الدّمشقيّة) على دعواه
     أوّلاً: ما ذكره في الأمر الأوّل

     أمّا ما ذكره مِن نفي الملازمة بين صحّة المعنى وصحّة الإسناد؛ فصحيح في الجملة لا مُطلقاً، إذْ الحُكم بصحة المعنى موجب أحياناً لإثبات صحّة الإسناد في مرتبة متقدّمة، كما ما نحن فيه، على ما سيأتي.
     وأمّا ما ذكره مِن توجيه لكلام الألباني، بحمله على أنّ مقصوده هو صحّة معنى الحديث، مع ضعف طرقه وعدم صحتها أو حسنها ولو بالمجموع، فهو غير تام؛ لأنّ الحديث اشتمل على إخبار عمّا سيقع، والحُكم بصحة معناه يوجب إحراز صحّة الخبر من طريق آخر سواء كان على سبيل الاستقلال، أو بمجموع الطريقين؛ ولذا قُلنا أنّ معنى كلام الألباني لا يستقيم إلاّ بالالتزام بالوجه الذي ذكرناه.
     وأمّا ما ذكره من أمثلة لبعض الأحاديث التي ادّعى كونها صحيحة المعنى، مع عدم صحّة إسنادها.
     ففيه: أنّ هذه الأحاديث ممّا ثبتت صحتها إما مِن طُرق أخرى، أو بضميمة القرائن الخارجيّة، كالقرائن اللّبية وغيرها، وهذا مما لا يكاد يخفى؛ فإنّ تصحيح المعنى يخضع لضابطة إثباتية على كل التّقادير.

     ثانياً: ما ذكره في الأمر الثّاني

     وأمّا دعوى أنّ (هاء) الضّمير في كلمة (قبله) في قوله : (وإسناده حسن بما قبله...) راجع إلى (يزيد بن أبي زياد)؛ ففيه:
     أوّلاً:  أنّه يأباه الظّهور العُرفي القاضي بأصالة عودة الضّمير للأقرب، والمفروض أنّ المذكور قبله هو الضمير المُتّصل (الهاء) في (إسناده)، وهو راجع إلى (الحديث)، وعليه: تُسبك العبارة بهذا النّحو: (وإسناد حديث ابن ماجة الثّاني (من طريق ابن أبي زياد) حسن بما قبل حديث ابن ماجة الثّاني (من طريق ابن أبي زياد) ).
     أقول: ما قبل حديث ابن ماجة الثّاني (من طريق ابن أبي زياد) ؛هو حديث ابن ماجة الأوّل (من طريق أبي قلابة) بسائر رواياته التي ذكرها الألباني؛ فالمُتعيّن ما قُلناه.
    فإنّ: وجوه عَوْدَ الضمير لا يخلو من أحد أمور أربع:
     الأولّ: أنْ لا يعود الضّمير إلى شيء أصلاً، وهو كما ترى.

    الثّّاني: أنّ الضّمير يعود إلى (الهاء) في (إسناده)، وحينئذ: لا مناص من الحمل على ما ذكرناه، وهو مقتضى الأصل.
    الثّالث: أنّ الضّمير يعود إلى كلمة (إسناد)، وهو مُضافاً إلى كونه على خلاف الأصل؛ فإنّ مؤدّاه نفس مؤدّى الاحتمال الثّاني، بتقدير: وإسناد حديث ابن ماجة الثّاني (من طريق ابن أبي زياد) حسن بما قبل إسناد حديث ابن ماجة الثّاني (من طريق ابن أبي زياد)، والمعنى واحد كما هو واضح.
لا أنْ يكون معناه: الإسناد حسن بما قبل هذا الإسناد الذي هو يزيد بن أبي زياد؛ لأنّه: لا يصح أنْ يُقال: (يزيد بن أبي زياد) (بعد) إسناد الحديث، كيف، وهو ضمنه؟! فإنّه لا يوجد شيء وراء إسناد حديث ابن ماجة الثّاني، بل هو مركّب من (يزيد بن أبي زياد) وسائر سلسلة السّند، فكيف يتقدّم جزء المُركّب على المُركّب نفسه؟! فإنّه لا يُتصوّر هذا إلاّ في حال انفكاكهما، وهو خُلف الفرض!
     الرّابع: عودة الضّمير لما بعده، بناءً على صحّة تقدّم الضّمير على مرجعه، وهو الظّاهر مِن مُراد (الدّمشقيّة)، وهو بمعنى قولنا: إسناد الحديث حسن إلى ما قبل يزيد بن أبي زياد؛ وهذا الوجه لربما يُقال أنّه يمكن أنْ يكون مُصحّحاً للمُدّعى.
     ولكنه غير تام؛ لأمرين:

     الأول: أنّه على خلاف الأصل، ولا يوجد ما يُساعد على الخروج عنه.
     الثّاني: أنّ المقصود لا يخلو حينئذ من أحد أمرين:
     الأوّل: أنْ يكون الإسناد الحسن هو: (علقمة عن ابن مسعود مرفوعاً).
     الثّاني: أنْ يكون الإسناد الحسن هو: (عثمان بن أبي شيبة عن معاوية بن هشام عن علي بن صالح)، وهو طريق ابن ماجة المروي عن ابن أبي زياد.
     ولا يُمكن أنْ يكون الأوّل؛ إذْ المفروض أنّه مشتمل على: إبراهيم، وهو: إبراهيم بن يزيد النخعي، وعلقمة، وهو: علقمة بن قيس النخعي الكوفي، وابن مسعود، وهو: عبدالله بن مسعود الصحابي.
     فأمّا إبراهيم النّخعي؛ فهو: ثقة عند الألباني، قال في (سلسلة الأحاديث الضّعيفة ج4 ص75) : (ثقة معروف من رجال الشيخين)، وقال في كتابه (إرواء الغليل ج4 ص145) : (ثقة محتج به في الصحيحين) وقال في كتابه (مشكلة الفقر ص52) : (فقيه ثقة)، وقال في (تحريم آلات الطرب ص145) : (تابعي ثقة جليل).
     وأمّا علقمة؛ فهو: ثقة ثبت عند الألباني، قال في تحقيقه لكتاب ( (الإيمان) لابن أبي شيبة ص41) : (ثقة ثبت فقيه عابد، من أصحاب ابن مسعود)، وابن مسعود صحابي، فالسّند صحيح، وحينئذ: لا معنى لوصفه بالحُسن.
     ولا يمكن أنْ يكون الثّاني أيضاً؛ إذْ لا يرجع إلى معنى محصّل؛ لأنّ رجال السّند يكونون بطبقة متأخّرة عن ابن أبي زياد، فيُقال فيهم: (بعد) ابن أبي زياد، وليس: (قبل) ابن أبي زياد، وهو ما عليه الاصطلاح، فلاحظ.
     ومع ذلك ذهب (الدّمشقيّة) إلى أنّ الذين قبل ابن أبي زياد هم: عثمان بن أبي شيبة ومشايخه!
     قال (الدّمشقيّة) : (في الدّقيقة 18:04) بعد أنْ قرأ راوية يزيد بن أبي زياد من (ضعيف سنن ابن ماجة) : (فإن الإسناد اللي هو: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا معاوية بن هشام حدثنا علي بن صالح إلى هنا إسناده حسن، المشكلة في يزيد بن أبي زياد).

      أقول: قد عرفت ما فيه، وهو كاشف عن جهله بفنّ الرّجال ومصطلح الحديث.

    فتحصّل من جميع ما مر: أنّ ما ذكره (الدّمشقية) في غير محلّه، بل هو كاشف عن كونه لا يُحسن علم الحديث، ولا يفقه كلمات أهل التّحقيق عندهم.
     ثانياً: عدم تمامية ما ذكره من أدّلة على دعواه
      أمّا الوجه الأوّل: وهو قول الألباني في يزيد بن أبي زياد: (وهو مختلف فيه، فيصلح للاستشهاد به)!
     وكذا الوجه الثّالث، وهو: أنّ الألباني كثيراً ما يذكر في كتبه أنّ ابن أبي زياد يصلح للاستشهاد به!
     فإنّ الثّالث راجع للأوّل؛ فلا معنى لعدّه وجهاً مُستقلاّ، وكيفما كان؛ فإنّ ما استدلّ به غير واضح، بل هو باطل؛ إذْ لا ملازمة ألبتة بين قول الألباني: (وهو مختلف فيه فيصلح للاستشهاد به) وبين المُدّعى!، بل هو أجنبي جداً عنه، وكذا ما ذكره في الوجه الثّالث، وهذا أوضح من أنْ يُبيّن! وقد قيل قديماً: (توضيح الواضحات من أشكل المشكلات!)
    أما الوجه الثّالث: وهو ما حاول التّمسك به من تضعيف الألباني للحديث بطريقيه (أعني: طريق أبي قلابة، وطريق ابن أبي زياد) في (ضعيف سنن ابن ماجة)، وعدم ذكره في صحيحه، فيرد عليه:
    أوّلاً: أنّ الألباني أوعز في (ضعيف سنن ابن ماجة) إلى كتابه (الروض النّضير)، ومقتضاه: أنّ ثمّة تحقيق ما ذكره هناك، ولأنّه التزم بعدم التّفصيل في حكمه على الأحاديث؛ فإنه اكتفى بهذا الإيعاز، ولكن عندما نعرف أنّ لا قيمة علمية يُعتدُّ بها لكتابه (الروض النّضير) – على ما سيوافيك من بيانات الألباني بنفسه قريباً-؛ يتبيّن أنّ النّتيجة التي توصّل إليها في حُكمه على الحديث محل نظر.



     وعليه: تضعيفه للحديث في (ضعيف سنن ابن ماجة) لا يُعتدُّ به، لا سيما وأنّ ما ذكره في (السّلسلة الضّعيفة) في مقام التّحسين أوفق بالقواعد والصّناعة.
     وإليك بعض كلمات الألباني في هذا المجال:
     صرّح في مقدّمة كتابه (صحيح سنن ابن ماجة ج1 ص5-6) بما نصّه : (فهذا تحقيق لطيف لأحاديث كتاب (سنن ابن ماجة) بيّنت فيه مراتبها من صحّة أو ضعف بأوجز عبارة...وقد توسّعت فيه بذكر مؤلفاتي التي كنتُ خرّجت تلك الأحاديث فيها، مع ذكر أرقامها فيها أو الجزء والصفحة عقب كلّ حديث منها، ليتيسّر للباحثين إذا أرادوا الرّجوع إلى ما تطوله أيديهم منها؛ للتحقّق مما ذكرنا من مراتبها. ولقد كان ذلك تنفيذاً لرغبةٍ طيّبةٍ تقدّم بها إليّ مكتب التربية العربيّ لدول الخليج بالرياض....في عقده ...وقد جاء فيه: يلتزم الطرف الثاني بالحكم على الحديث بكلمة واحدة يبيّن درجته التي يحكم بها عليه، وبالإشارة إلى المصدر الذي حقق فيه القول على الحديث من مؤلفاته الأخرى...).).
    أقول: حاصل ما ذُكر أنّ النّتيجة المقرونة بذكر كتاب من كتبه يكشف عن كونها حاصلة من تحقيق وتخريج عُقِدا في الكتاب المذكور.
     ولكن الشأن كلّه في قيمة تحقيقاته وتخريجاته في كتاب (الروض النّضير)، وهل هي ناهضة؟!
     قال (محمد بن إبراهيم الشيباني) صاحب كتاب (حياة الألباني، آثاره وثناء العلماء عليه  ج2 ص571 ) : (الروض النضير في ترتيب وتخريج معجم الطبراني الصغير-مخطوط-. ويعتبر هذا الكتاب من أوائل كتب الشيخ في التخريج، وهو كامل إلاّ أن الشيخ يريد إعادة النظر فيه).
     وقال الألباني في شريط مسجّل له: (عندي كتاب هو أول باكورة عملي، وهو الذي أعزو إليه في كثير من كتبي، وهو المعروف بالروض النضير في ترتيب وتخريج معجم الطبراني الصغير، عندي مجلدان منه كبيران، لكني لا أوافق على طبعه؛ لأنه كلما عنّت لي مناسبة؛ فرجعت إليه، قلت: أنا كيف قلت هكذا؟).
المصدر:
سلسلة الُهدى والنور، الشّريط: 288.
الرّابط:
     وقال أيضاً في شريط مسجّل: ( أما (الروض النضير في ترتيب وتخريج معجم الطبراني الصغير) فهذا -في الواقع- هو- جاهز عندي، وهو من أوائل؛ بل أول ما يمكن أن يقال أنه من تأليفي؛ ولكن كل عملٍ حينما يبدأ به صاحبه لا يكون كاملاً؛ ولذلك فكلما رجعت إلى هذا الكتاب في بعض مراجعاتي أجد فيه ما ينبغي تصحيحه؛ ولذلك لا أجد نفسي تنشرح لطبع هذا الكتاب مع أنه في مجلدين ضخمين؛ إذا طبعا يكونان في مجلدين أو أكثر من قياس سلسلة الأحاديث الصحيحة؛ ولكن لا أسمح لنفسي بنشر هذا الكتاب؛ حتى أتمكن من إعادة النظر عليه من ألفه إلى يائه، من أوله إلى آخره؛ لأستدرك ما ينبغي استدراكه، ولأصُحِّح ما ينبغي تصحيحه من بعض الأوهام التى تبدو لي كلما اقتضت لي البحوث العلمية أن أعود إلى مراجعته).
المصدر:
الموقع الرّسمي للشّيخ الألباني، فتاوى رابغ، الشّريط:5.
الرّابط:
     وقال أيضاً: (حسدوا الفتى إذْ لم ينالوا سعيَهُ .. فالكل أعداءٌ لهُ وخصومُ كضرائرِ الحسناءِ قُلْنَ لوجهِهَا .. حسدًا ومقتًا إنهُ لَدميمُ قد يكون بعضهم له حسن النية؛ لكن شأنهم شأني حينما ألَّفتُ (الروض النضير)؛ أي: أنهم لم ينضجوا بعد في هذا المجال).
المصدر:
الموقع الرّسمي للشّيخ الألباني، فتاوى رابغ، الشّريط:5.
الرّابط:

    أقول: كلامه أوضح من أنْ يُبيّن، ويتلخّص من جميع ما مر أنّ ما ذكره في كتابه (الروض النّضير) ممّا لا يُعتد به في نظره.
     وتأسيساً على ذلك: ما احتجّ به (الدّمشقيّة) من حُكم الألباني على حديث ابن ماجة في سننه؛ لا يصلح أنْ يكون مُعارضاً لما ذكره الألباني في (السّلسلة الضّعيفة)، إلى حدّ يكون الجمع بينهما جمعاً تبرّعياً - كما صنع (الدّمشقية) - يقضي بتقديم وترجيح ما هو مذكور في (ضعيف السنن)، والتّكلف في توجيه المذكور في (السّلسة الضّعيفة) على النّحو الفاحش الذي صنعه.
    
     ثانياً:  مع فرض التّسليم بتضعيف الألباني لحديث ابن ماجة؛ فإنّه لا تدافع بين تضعيفه للحديث في كتابه (ضعيف سنن ابن ماجة)، وتحسينه له في كتابه (السّلسلة الضّعيفة)، لأنّ تحسينه في الأخير كان بلحاظ ضمّه إلى الطّريق الذي ساقه قبله؛ فهو حسن بهذا اللّحاظ؛ ولذا عبّر بقوله (حسن بما قبله)، فمنشأ تحسينه هو ما قبله، وإلاّ لو خُلّي ونفسه أو حتى وغيره -مع فرض وجود طرق أخرى- فلا؛ لأنّ التّحسين بالشّواهد يخضع لضوابط وشروط قد لا تتوفّر في طريق آخر -غير طريق أبي قلابة- لو فُرض وجوده.
     

     ثالثاً: أنّ تغيّر أحكام الألباني على الأحاديث، وتفاوتها من كتاب لآخر ليس بعزيز؛ فقد وقع منه كثيراً، إلى حدّ أنّه صُنّفت في ذلك بعض الكتب، منها:
     1. تراجع العلامة الألباني فيما نصَّ عليه تصحيحاً و تضعيفاً لأبي الحسن محمد حسن الشّيخ .
     2.الإعلام بآخر أحكام الألباني الإمام لمحمد كمال السيوطي .
     3. النصيحة في بيان الأحاديث التي تراجع عنها الألباني في الصحيحة لأبي عمر حاي بن سالم الحاي.
     4. 500 حديث مما تراجع عنها العلامة المحدث الألباني في كتبه لعودة بن حسن عودة.
     5.التنبيهات المليحة على ما تراجع عنه العلامة الألباني في السلسلة الضعيفة والصحيحة لعبد الباسط بن يوسف الغريب.


     الجواب عن زعم الدّمشقيّة أنّ معنى كلام الألباني هو نفسه ما أفاده الهيثمي في (مجمع الزّوائد) في تعليقته على الحديث:
 
      بقي شيء: 
    وهي دعوى (الدّمشقيّة) في أنّ معنى عبارة الألباني: (وإسناده حسن بما قبله) هو نفسه ما أفاده الهيثمي في (مجمع الزّوائد)، وعبارة (الدّمشقيّة) جاءت هكذا -وقد نقلناها آنفاً؛ فراجعها في محلّها- : (وهذا ما أذكر أنه قول الهيثمي بما قبل يزيد بن أبي زياد إسناد صحيح).

     أقول: ما ذكره في غير محلّه؛ إذْ أنّ قول الهيثمي أجنبي عن قول الألباني، حتى على تفسير (الدّمشقيّة) لقول الألباني، وبيان ذلك:

     أنّ الهيثمي قال في (مجمع الزّوائد ج7 ص316) : (وفيه يزيد بن أبي زياد، وهو ليّن).

      أقول: وأين هذا من المعنى الذي حمله (الدّمشقيّة) على كلام الألباني؛ وذلك لأنّ:

     أوّلاً: أنّ الألباني - بحسب دعوى (الدّمشقيّة) حسّن السّند بما قبل يزيد بن أبي زياد- بينما الهيثمي لم يُحسّن السّند، بل حكم بوثاقة رجاله، وهذا شيء آخر غير التّحسين، كما لا يخفى على أهل الفنّ.

     قال الألباني في مقدّة تحقيقه على الترغيب والترهيب للمنذري ج1 ص70 : (واعلم أن ليس من التصحيح، بل ولا من التحسين في شيء، قول المنذري وغيره من المحدثين: (...رجاله ثقات)...إلخ).
     وقال في (تمام المنّة ص26) : (فقول بعض المحدثين في حديث ما (رجاله رجال الصحيح) أو: (رجاله ثقات) أو نحو ذلك لا يساوي قوله: (إسناده صحيح)...إلخ).
     
     ثانياً: زعم الدّمشقيّة أنّ الهيثمي قال بصحّة السند بما قبل يزيد بن أبي زياد، والحال أنّ الهيثمي لم يحكم على السّند أصلاً كما قلنا سابقاً، وإنّما تعرّض لوثاقة رجاله فقط.

     ثالثاً: أنّ المفروض - حسب دعوى الدّمشقيّة- أنّ الألباني حسّن، والهيثمي صحّح، فكيف يقول بعد ذلك : (وهذا ما أذكر أنه قول الهيثمي بما قبل يزيد بن أبي زياد إسناد صحيح)، إلاّ إذا كان (الدّمشقيّة) لا يميّز بين الحسن والصّحيح، كما أنّه لا يميّز بين الحُكم على الإسناد والحكم على رجال الإسناد كما أشرنا إليه فيما تقدّم.

     رابعاً: أنّ الرّواية التي نقلها الهيثمي في (المجمع)، أخذها عن (المعجم الأوسط) للطّبراني، وطريق (الطّبراني) إلى يزيد بن أبي زياد مُغاير لطريق ابن ماجة، حيث رواها (الطّبراني) عن: (شيخه: محمد بن عبدالله الحضرمي عن طاهر بن أبي أحمد الزبيري عن أبيه عن صباح بن يحيى المزني عن يزيد بن أبي زياد).

     وعليه: اتّضح أنّ الهيثمي يتكلّم عن إسناد آخر غير الإسناد الذي تكلّم عنه الألباني، ومع ذلك يزعم الدّمشقية أنّ قولهما واحد! وهذا عدم تمييز آخر منه؛ فلم يُميّز بين طريقين مختلفين.



     والمُتحصّل: أنّ ما ذكره (الدّمشقيّة) غير صحيح بالجملة، بل ويكشف عن تخليطه وجهله الفاحش بعلم الحديث ودراسة الأسانيد، وكيفية التّعاطي مع كلمات أعلامه عندهم، ولنترك المجال لمن شاء في إحصاء زلاّته ومُغالطاته على ضوء ما حرّرناه في هذه الأوراق.


والحمدلله رب العالمين.

جابر جوير
يوم الأحد
2 شعبان 1435 هـ
الموافق: 1 يونيو 2014م.