الجمعة، 30 أغسطس 2013

القراءة الجديدة!

على هامش ما أثاره (البعض) في برنامجه الذي بُث على قناة (الكوثر)

بعنوان (من إسلام الحديث إلى إسلام القرآن)

 

بقلم/ الشيخ جابر جوير

ينبغي أن يكون واضحاً أن مصطلح (القراء الجديدة) الذي لا ينفك البعض يردده كل حين؛ ما هو إلا تعبير آخر لما يُسمّى بالتحقيق العلمي الذي هو إعادة تقييم الأفكار من جهة أدلتها ومستنداتها، وهذا عين ما يُمارس يومياً في أروقة الحوزة العلمية، ومجالس العلماء ودروسهم العالية، أو ما يُصطلح عليه في أدبيات الحوزة بـ(بحث الخارج)، فإن مهمة الفقيه هو إعادة قراءة الأدلة، وعرضها على المسطرة العلمية التي تشكلّها المباني التي يبني عليها الفقيه كأصول وقواعد تتحكم بنسق البحث ومساره، غاية ما في الأمر أن (البعض) يقرأ مُحْدِثاً ضجيجاً لا مُبرّر له من جهة، ومن جهة أخرى يقدّم قراءته في الهواء الطلق، ويعرضها على عوام الناس! ، وفوق هذا وذاك يتجاوز بديهيات ما يتطلبه البحث العلمي، كاعتماد آليات البتر وتقطيع أوصال المادة المقروءة مثلاً، أو نسبة ما لا تصح نسبته إلى فلان من الناس! ، أو تحويل بعض نتائج البحث العلمي الذي توصّل إليها غيره إلى كارثة، يثير بذلك مشاعر عامة الناس، ويحرّكهم عاطفياً!

جابر جوير
4 شوّال 1434 هـ
11 أغسطس 2013 م

الجواب على شبهة دسّ أحاديث اليهود والنّصارى والمجوس في الموروث الروائي الشيعي

رداً على ما طرحه المُتحدِّث في برنامج (من إسلام الحديث إلى إسلام القرآن) في قناة (الكوثر) الفضائية

بقلم/ الشيخ جابر جوير

بسمه تعالى

يكفي في ردّ شبهة الدّس في الكتب الروائية وغيرها مع قطع النّظر عن المدسوس، سواء كان من قبيل الإسرائيليّات ونحوها، أو روايات الغُلاة، أنّ الكتب التي ثبت اعتبارها من جهة ثبوتها عن مؤلفيها، ومن جهة صحة نُسَخِها، سواء بلحاظ وثاقة رجال طُرقها، أو بلحاظ احتفافها بالقرينة المعتبرة القاضية بكون هذه الكتب معتبرة؛ لا يُتصور فيها الدّس، إذْ لا يجتمع كونها معتبرة بهذا المعنى؛ الذي يقتضي سلامتها من طروء تصرّف بنحو التغيير أو الزيادة أو النّقصان، مع دعوى وقوع الدّس فيها!

وأمّا وجود أخبار إسرائيليّة، أو روايات الغُلاة، فلا علاقة له بالدّس، فهذا شيءٌ، والدّس شيءٌ آخر، وتوهّم كونهما واحداً؛ خلطٌ بين الأمرين! 
فوجود روايات هذا شأنها في كتاب ما، مع فرض ثبوته عن صاحبه، معناه: أنّ صاحبه نقلها لغرض ما، لا أنها مدسوسة فيه! ، ويمكن تمييزها بملاحظة إسناد صاحب الكتاب إليها، وإن لم تكن مسندة فلا سبيل للقطع بكونها من روايات الغُلاة، وغاية ما يمكن أن يُقال بشأنها أنها مشكوكة النسبة، وأما الإسرائليات ونحوها فلا يضر عدم إسنادها؛ لأن المفروض أنها غير مروية عن الأئمة (ع).
وبهذا يندفع الإشكال الذي يستند إلى وجود روايات منقولة عن المعصومين (ع) وغيرهم تفيد وقوع الدّس في كتب أصحابنا، كأمثال المغيرة بن سعيد، وأبي الخطاب، وغيرهما.

جابر جوير
الأربعاء
29 شهر رمضان المبارك 1434 هـ
6 أغسطس 2013 م

القفز على بناء العُقلاء!

وقفة قصيرة مع مسلك المُتحدِّث في برنامج (من إسلام الحديث إلى إسلام القرآن) المعروض في قناة (الكوثر) الفضائية

بقلم/ الشيخ جابر جوير



(البعض) يثير أبحاثاً مطروحةً في الأوساط والحواضر العلميّة منذ قرون، والتي لا تزال محلاًّ للاختلاف والجدل والتّجاذبات العلميّة -وتُحسم نتائجها بحسب المنهج أو المبنى الذي يتبّناه الباحث المتخصّص الذي يخوض عمليّة بحثها- موهماً المتلقّي العادي أنّ إثارته هذه ابتكارٌ وتجديد، ونفضٌ للتراب، وفَتْح مُبين!؛ يصنع من خلالها صياغة جديدة للمذهب، ويطهّره، وينتشله من وحل الخرافة والدّجل! بدعوى أنّه بذلك يخلّصه مما علق به من أمور دخيلة فرضتها وسوّقت لها النّظريات (البائسة!)، والمنقودة مِن قبل هذا (البعض)!
إن محاكمة الأفكار والنّظريات يمكن رصدها بسهولة بالغة في أوساط أهل الاختصاص في كل فن وعلم؛ لأنّها تعود بجذورها إلى بناء عُقلائي متين، ولكن تنحسر هذه المُمارسة لتخرج من دائرة البناء العُقلائي؛ عندما:
1)تخرج عن نطاق أهل الاختصاص، سواء بممارستها من قِبل غير المُختصّين، أو بممارستها في غير البيئة الحاضنة لها؛ أعني الحوزة في المثال الذي نحن فيه.
2)وتتم وفق آلية (الفوضى الفكرية!) في ظل غياب قانون البحث العلمي، مما يقود إلى القفز على القواعد أو الضوابط التي تضمن حفظ مسارات وأهداف أمثال تلك المحاكمات.

جابر جوير
7 شوال 1434 هـ
14 أغسطس 2013م

همسة في أذن الشيخ حسن فرحان المالكي!

بقلم/ الشيخ جابر جوير

عفواً يا (شيخ حسن فرحان المالكي)، أنت لست مؤهّلاً لتقييم طروحات (البعض)، ووصفها بـ(جهود جبّارة في تنقية التّراث الشّيعي!)، فإنْ كنت عالماً ومُحقّقاً في مدرسة المذهب الذي تنتمي إليه؛ فأنت لست كذلك بالنسبة إلى مدرسة الشّيعة الإماميّة (أنار الله برهانها)، مُضافاً لعدم معرفتك بواقع البحث العلمي، وأسلوب طرحه وإدارته وبلورته في المؤسّسة الدّينية عندنا، ويشهد على ذلك انبهارك بما يطرحه (البعض)، مع كونه فاقداً للضّوابط العلميّة والمعرفيّة المقرّرة في محلّها!
إذا كانت مدرستكم تعتريها تجاوزات ومجازفات علميّة، وتعاني من إشكالات على مستوى الموروث، وعلى مستوى آلية التّعاطي مع هذا الموروث، فينبغي أنْ تعلم جيّداً أنّ مدرستنا المُباركة ليست كذلك ألبتة!
وإذْ نشدّ على يديك، ونشكر مساعيك باتجاه صناعة الحِراك العلمي لديكم، ومواجهة محاولات تشويه وتغييب الحقيقة التي يمارسها رواد المؤسّسة الدّينيّة عندكم؛ ففي الوقت نفسه، نرجو منك أنْ لا تتعجّل في الحُكم والتقييم فيما هو خارج إطار مدرستك، وشكراً.


جابر جوير
7 شوال 1434 هـ
18 أغسطس 2013م

هوامش على أطروحة (إسلام القرآن)!

تعليقات على هامش ما طرحه المُتحدِّث

في برنامج(من إسلام الحديث إلى إسلام القرآن) على قناة (الكوثر) الفضائية

بقلم/ الشيخ جابر جوير

  الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير الخلائق أجمعين؛ محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم من الأولين والآخرين، حتى قيام الدين، إله الحق آمين.

وبعد، فهذه بعض التعليقات التي كتبتها ونشرتها بصفة يومية تقريباً خلال شهر رمضان المبارك لعام 1434 هـ، تعليقاً على ما كان يطرحه المُتحدِّث في حلقات برنامجه (مطارحات عقائدية: من إسلام الحديث إلى إسلام القرآن)، الذي بثّته قناة (الكوثر الفضائية).

1) الشبهات التي تُثار من حين لآخر في وجه المؤسسة الدينية؛ تكشف عن مبلغ العلم الضئيل الذي عليه أصحاب هذه الدعاوى،وربما تكشف عن أشياء أخرى أيضاً!

2) تراث أهل البيت (ع) أرقى بكثير من أن تناله دعاوى التّشكيك المستندة إلى حجج واهية لا يكاد ينقضي العجب من أصحابها ومروّجيها!

3) جميع محاولات التقليل من شأن المدوّنات الروائية والمصادر الشيعية، إنما ترجع إلى ضمور (العقل التحقيقي) لدى أصحاب تلك المحاولات!

4) أولى علماء الشيعة الأبرار (أنار الله برهانهم ورفع كلمتهم) الموروث الروائي الشيعي عناية فائقة، يعرف ذلك كل من له حظ من علم الحديث والرجال.

5) إسلامنا إسلام القرآن والحديث، ولم تتشكّل مباني المذهب الشيعي وملامحه إلاّ بمعطيات اقتران القرآن المجيد مع الحديث الشريف.

6) الموروث الروائي للإمامية بمنأى عن الدس والخلط بالإسرائليات أو روايات اليهود والنصارى والمجوس!

ومن يدّعي غير ذلك فلا يملك سوى مجرّد الدّعوى!

7) دراسة التراث الحديثي الشيعي وفق الضوابط العلمية، والأدوات البحثية العقلائية شيء، ومحاولة سحقه وتبديد جهود المحدثين بلغة خطابية شيء آخر!

8) البحث العلمي مقبول ممن يتوفر على القدرة العلمية والتحقيق العلمي، وأما إثارة الشبهات بثوب العلمية فهو مرفوض عند العقلاء فضلا عند خصوص العلماء! 

9) طرح الأبحاث التخصصية على عامة الناس وفي الهواء الطلق يقود إلى إحداث الارتباك الفكري لديهم، وهذه مصيبة! وطرحها بمغالطات علمية فهذه كارثة أخرى!

10) أطالب مَن يدّعي أنّ (اليهود والنصارى والمجوس) قد دسّوا في أحاديثنا أن يأتيني بحديث واحد فقط قد دسّه هؤلاء مشفوعا بدليل معتبر على كونه مدسوسا!

11) إذا كانت المنظومة الروائية غيرالشيعية قد تعرضت للاختراق وتسرّب إليها شيء من الموروث الإسرائيلي، فإنه لم يثبت أن المنظومة الروائية الشيعية كذلك!

12) دعوة تنقية الموروث الروائي الشيعي مما لصق به من الإسرائليات؛ دعوة لا معنى لها، لأنها ترتكز على افتراض وجود إسرائليات مدسوسة، وهذا لم يثبت!

13) لم يتشكّل (العقل الشيعي) من الموروث الروائي المحض كما يظهر من دعوى البعض، بل ارتكز على الأحكام العقلية التي أسست آليات التعاطي مع الروايات.

14) البعض أراد أن يتصدّى لما أسماه بخطاب الكراهية والتشنج بإثارة (مغالطات علمية) عنونها بمسميات (البحث العلمي)، (المنهج العلمي)، (المنطق العلمي)!

15) فرق بين ثبوت القضية بأدلة معتبرة مبحوثة في محلها، وبين نقل القضية والاستشهاد عليها بأدلة ضعيفة من قبل الخطباء، وهذا الخلط الذي وقع فيه البعض!

16) خطاب أهل البيت (ع) يؤسس للتعايش مع سائر الطوائف والمذاهب على أساس أن الناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، ولم أجد شيئاً مدسوساً يغذي العقل الشيعي بثقافة الكراهية كما يدّعي البعض، والظاهر أنه وقع خلط بين (الولاء والبراء)، و(التعايش)، و(العنف)!

17) الحِراك العلمي مطلوب في كل الأحوال، ولكن ليس بالضرورة أن يكون المُسَبِّب له هو الأطروحة العلمية، فتكفي في إثارته وتحريكه الشبهة أو المغالطة!

18) الذي استحكمت لديه القواعد والضوابط العلمية في مقام التنظير والتطبيق؛ هو مَن يقول لا أبالي بمن يعترض،لا مَن يطرح مغالطات يُسميها بحثاً علمياً.

19) ليس (النّشاز) في الاعتراض على إثارة أبحاث علمية بأسلوب غير علمي وفي الهواء الطلق وأمام الملأ، بل (النّشاز) كل النّشاز هو نفس تلك الإثارة!

20) مراجعة التراث وتنقيحه وفق الضوابط العلمية المبحوثة في محلّها مطلب مُلِحّ؛ ولذا بذل علماؤنا المتقدمون والمتأخرون جهودا جبارة في هذا السياق، وأما أن تُعقد هذه البحوث بمعزل عن أُطر الضوابط العلمية، وبمنطق شعبي حظّه من العلمية العنوان فقط؛ فهو أمر مرفوض عندالعقلاء فضلا عن المتشرّعة. 

 

جابر جوير

الكويت

30 شهر رمضان المبارك 1434 هـ

أسرة المددي العُلمائيّة

بقلم/ الشيخ جابر جوير
أسرة سماحة سيدنا الأستاذ أحمد المددي (دام ظله الشريف) أسرة عُلمائية معروفة في الأوساط العلمية بكفائتها العلمية وشموخها الإيماني، فهي تضم علماءً وفقهاءً منذ زمن الشيخ الأنصاري (قده)، وهي عائلة مشهورة معروفة في خراسان (مشهد الإمام الرضا (ع) ) من قبل180 سنة تقريباً.
وحسبنا ما رأيناه وعايشناه في شخصية سماحة سيدنا الأستاذ آية الله المحقق السيد أحمد المددي (دام ظله الشريف) تلك الشخصية الرسالية التي كانت بحق غصناً من شجرة مباركة، بحيث اختزلت شخصيته ما اشتملت عليه هذه الأسرة العلمائية العظيمة المتفانية في خدمة الدين والقيم من كمالات على المستوى العلمي والسلوكي التي يندر وجودها في كل عصر.
كان الجد الأكبر لسيدنا الأستاذ (دام موفقاً) اسمه (السيد علي مدد)، وكان معروفاً بالسيادة، فهو يرجع إلى أحد أبناء الإمام الكاظم (ع) المُسمّى بـ (إسحاق بن موسى بن جعفر (ع) )، والمذكور في كتب الأنساب والمشجرات كالمجدي وغيره، وكان له أبناء كُثر في الحجاز والعراق وخاصة الحلّة، وجماعة منهم هاجروا إلى خراسان.
والذي أعرفه أيضاً أنّ جد السيد الأستاذ (دام مُسدداً) حصل على إجازة اجتهاد من المحقق النائيني (قده)، وكذا من السيد أبي الحسن الأصفهاني (قده)، وكان أيضاً من تلامذة المحقق آقا ضياء العراقي (قده).
وأذكر أنّ السيد الأستاذ (دام عزّه) أخبرني: أنّ جدّه السيد علي مدد الموسوي (قده) الذي كان من العلماء الأعلام المعروفين جداً وكان من خواص تلامذة المحقق النائيني (قده) بحيث أنّه كان يُصر أنْ يجعل السيد علي مدد (قده) على يساره دائماً في جلساته ما دام المددي موجوداً.
وأمّا ما يرتبط بالسيد الفقيد (قده) الذي كان من مواليد 13 رجب 1339 هـ، فقد تعرّف في صباه على المحقق النائيني (قده) بحكم العلاقة التي تربط بين أبيه وبين المحقق النائيني (قده)، وكان يزوره في بيته مع أبيه (جد سيدنا الأستاذ)، وكان للمحقق النائيني (قده) طعام خاص به يشتمل على شيء محدود من دجاج وغيره، فكان المحقق النائيني (قده) يُقدّم الطعام الخاص به إلى السيد الفقيد (قده) ويلقمه بيده الشريفه لكثرة حبه له، وتعلّقه به.
وصاهر السيد الفقيد (قده) المحقق السيد أبا الحسن الأصفهاني (قده) في السنوات الأخيرة من حياة السيد الأصفهاني (قده)، حيث تزوج ابنة ابنته وأنجب منها سماحة سيدنا الأستاذ آية الله السيد أحمد المددي (دام ظله الشريف)، كما حضر مقداراً من دروسه في حوزة مشهد المقدّسة.ومن أبرز أساتذته أيضاً زعيم الحوزة العلمية المحقق السيد الخوئي (قده)، ويُعدّ من الطبقة الأولى من تلامذته، حيث كان من تلامذته إمّا في الدورتين (الأولى والثانية) أو (الدورتين الثانية والثالثة)، (بحسب ما أخبرني سيدنا الأستاذ (حفظه المولى) والترديد منه).
وكان يقول الأستاذ (حفظه الله تعالى): (وأظن لا يوجد أحد حياً من أبناء هذه الدورة على وجه الأرض!).
وكتب (قده) تقريرات ما حضره من أبحاث المحقق السيد الخوئي (قده) في الفقه والأصول، إلاّ أنّها لم تُطبع حتى الآن مع الأسف الشديد.
وعلى ما ببالي أنّه (دام تأييده) قال لي في إحدى المرات: كنت أذكر الوالد (السيد الفقيد) عندما جاء من إيران إلى النجف الأشرف بعيد رحيل آية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قده)، أنّ المحقق السيد الخوئي (قده) دعا الوالد بنفسه إلى بيته وأقام مأدبة طعام على شرفه.ومما ذكره لي (دام مُسدداً) أيضاً في بعض الجلسات الخاصّة: أنّ السيد الخوئي (قده) طلب من السيد الفقيد (قده) أنْ يكون وكيلاً مُطلقاً عنه في محافظة خراسان كُلها ، ولكنه اعتذر عن ذلك لما فيه من أعباء ومسئوليات تصرفه عن المتابعات العلمية.
وأضاف لي (أطال الله بقاءه): سنة 1375 هـ هاجر المرحوم الجد (قده) إلى مشهد المقدّسة مع الوالد وسائر أولاده، وكان عمري (أي سيدنا الأستاذ) خمس أو ست سنوات.وخلال فترة 25 سنة كان يصلي (الجد) إمام جماعة في الحرم الرضوي الشريف، وكان يقيمها بشكل خاص عند الرأس الشريف، علماً أنّ هذا المكان كان لا يصلي فيه سوى أحد العلماء الكبار وهو آية الله السيد يونس الأردبيلي (قده)، وبعد وفاته قُدّم لسماحة الجد، ثم أعطاه الجد للوالد وإلى الآن لم يجعلوا هذا المكان لأحد بعد ترك الوالد له بسبب دواعي المرض والسن، ولذا لا نجد صلاة الجماعة تُقام فيه حتى الآن.وأمّا مشايخه في الرواية ونقل الحديث، فهم كُثر ، وقد تشرفت بأن أروي عنه بواسطة ابنه سيدي ومولاي وأستاذي وصاحب الفضل الكبير عليّ سماحة آية الله المحقق السيد أحمد المددي (دام ظله الشريف) عنه عن مشايخه، ومنهم:
1-آية الله العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني (قده).
2-آية الله العظمى المحقق الميرزا النائيني (قده).
3-آية الله الشيخ عباس القمي (قده).
4-آية الله السيد علي مدد الموسوي (قده).
وغيرهم من الفقهاء الأعلام أعلى الله تعالى مقامهم الشريف.

وتفصيل الطرق مذكورة في إجازتي الروائية التي منحني إياها جناب سيدنا الأستاذ (دام ظله الشريف) ، وهي إجازة كتبية (خطيّة) مفصّلة عندي بخط يده الشريفة تقع في (9 صفحات) من القطع الكبير، وقد وقعت إجازته لي في سنة 1428 هـ في مدينة قم المقدسّة ( حرسها الله ).
ولا يفوتنا هنا أنْ نشير بأنّ السيد الفقيد (قده) هو خال آية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي (حفظه الله تعالى) رئيس القوة القضائية السابق في الجمهورية الإسلامية صانها الله من كل مكروه.
وأخيراً: تجدر الإشارة هنا إلى أنّ شخصية السيد الفقيد (قده) الذي كان من العلماء الربانيين الحقيقين تنطوي على الكثير من الفضائل والمكارم والأبعاد التي تستحق التأمل واستلهام الدروس والعبر منها، فقد كان يتمتع بطيب نفس استثنائي، وكان مُجسّداً حقيقياً لسلوك وأخلاق أجداده المعصومين (ع)، وكان متألقاً في سماء الورع وخلوص العمل، مضافاً إلى كونه معروفاً بكرمه وخدمته للناس وقضاء حوائجهم، واحترامه للآخر، وكان يتسم بتواضع جمّ قلّ أينْ يكون له نضيراً في هذا الزمان، والحديث عن الجوانب المشرقة في حياته يطول، وبحق كان سيدنا الراحل (نور الله مرقده) نموذجاً في الشخصية المباركة التي لا تألوا جهداً في عطائها وإنتاجها، وصدق سيدنا الأستاذ (دام ظله العالي) في تعبيره عن والده الفقيد (قده)، بأنه: (قطعة من الحب والإخلاص).
أسأل الله العلي القدير أنْ يرحمه ويتقلبه قبولاً حسناً، ويحشره مع أجداده صلوات الله عليهم، وصل اللهم على محمد وأله الطيبين الطاهرين، والحمد لله رب العالمين.


نعي سماحة آية الله السيد محمد علي المددي ( قدس سره ) والد سماحة آية الله السيد أحمد المددي ( حفظه الله ) ، توفي يوم السبت 2 / شوال / 1431 هـ عن عمر يناهز 89 سنة :
بسم الله الرحمن الرحيم
(الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إنَّا لِلّهِ وإنا إِلَيْهِ رَاجِعونَ • أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
تلقينا بعظيم الأسى وبالغ اللوعة نبأ وفاة فقيه أهل البيت (صلوات الله عليهم) العالم الرباني آية الله المحقق الحاج السيد محمد علي المددي الموسوي (قدس الله نفسه الزكية وطيب ثراه) الذي لبّى نداء ربّه في مدينة مشهد المقدسة.لقد كان رضوان الله تعالى عليه مفخرة من مفاخر الحوزة العلمية المباركة، ومن أعاظم علمائها ، ومحققيها في علوم ، ومعارف أهل بيت العصمة (صلوات الله عليهم)، وكان رمزاً في العطاء في سبيل الإسلام والمسلمين، وقد ثُلم الإسلام بفقده ثُلمة لا تُسَدّ بشيء أبداً، ولا يسعنا إلاّ أنْ نسلم أمرنا إلى الله تبارك وتعالى، ونتقدم بأحر وأصدق التعازي لمولانا صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف)، ولأستاذنا العزيز وقرة عيننا الفقيه الكبير آية الله السيد أحمد المددي (دام ظله الشريف)، ولمراجعنا العظام، وعلمائنا الأعلام، وسائر المؤمنين في العالم الإسلامي.ونبتهل إلى العلي القدير أنْ يتغمّده بواسع رحمته، ويدخله فسيح جناته، ويحشره مع النبي وآله صلوات الله عليهم أجمعين.

جابر جوير
الكويت
الأحد
3 من شهر شوال 1431 هـ

مشروع الوصاية على شيعة الكويت

"تعرية المشروع وملاحقة ملامحه وخلفياته"
(السلسة الكاملة للمقالات التي نُشرت في جريدة الأنباء الكويتية)

بقلم: الشيخ جابر جوير

مدخل:
تُشكِّل طائفة الشيعة نسبةً ليست بالقليلة بالقياس إلى مجموع الشعب الكويتي، ولهذه الطائفة تأريخ عريق حافل بالعطاء والإنجازات؛ فقد ساهم أبناؤها في بناء الكويت بصورة متميّزة ومُشرقة؛ جنباً إلى جنب مع سائر مكونات وأطياف الشعب الكويتي، كما أنّهم لم يألوا جُهداً في الدفاع عن أرضهم والذود عنها، وقد سجّل التاريخ هذه المواقف الوطنية؛ التي يضيق المقام بإحصائها وذكرها.
كما لم يكن الشيعة بمعزل عن الحراك السياسي، فقد التحقوا ضمن المشاركة الشعبية في السلطة؛ يشاطرون غيرهم حق اتخاذ القرار السياسي وإدارة البلاد، من خلال التمثيل النيابي، والتواجد تحت قبّة البرلمان، إمّا بصورة الأعضاء المستقلّين الذي يمثّلون من انتخبهم، أو بصورة ممثلي التيارات والتجمعات والقوى السياسية الشيعية، مُضافاً لدخولهم في تشكيل الحكومة وتسلّم الحقائب الوزارية، وهكذا كان أداؤهم السياسي التقليدي في ظل الحياة الديمقراطية التي تسود البلاد، من غير أنْ تكون هناك جهة خاصّة تُمثّلهم بمجموعهم، وتمارس وظيفة الناطق الرسمي عنهم، حتّى جماعة العلماء (ولا نعني بها تجمع علماء الشيعة الذي تأسس عام 2001، بل عموم علماء الشيعة في الكويت) الذين لهم تأثيرهم وكلمتهم في المجتمع الشيعي؛ والذين لم ينفكّوا عن التصدّي حين يقتضي مستوى الحدث تصدّيهم؛ فإنّهم إنما يتدخلون متجرّدين عن أيّ إدعاء غير كونهم يمثلون أنفسهم، ويؤدّون تكليفهم الشرعي، ويسجّلون كلمتهم التي يتطلبها أُفق الحدث.
إلاّ أنّه بدأت في الآونة الأخيرة، تبرز ملامح ظاهرة جديدة غير مسبوقة في مشهد الواقع الشيعي، تتلخص في ظهور مساعٍ من قبل (البعض الشيعي) تهدف إلى فرض وصاية (هذا البعض) على شيعة الكويت، وتجسيد وظيفة الناطق الرسمي عنهم! ، والمبادرة لاختطاف الرأي الشيعي ومصادرته! الأمر الذي يدعو إلى وقفة جادّة؛ لفهم ودراسة تداعيات هذه الظاهرة المعضلة وملاحقة ملامحها وإزاحة الغُبار عن خلفياتها.
إرهاصات مشروع الوصاية:
يُمكن أنْ يُقال أنّ ملامح ولادة مشروع (الوصاية) على شيعة الكويت برزت منذ صدور قرار تجنّب انضمام أصحاب هذا المشروع – سياسياً- مع أي تجمع أو تيار شيعي آخر، فبعد تجربة (الائتلاف الإسلامي الوطني/1991م)، الذي كان بمثابة الوعاء الذي ضمَّ أكثر صفوف القوى السياسية والدينية لأبناء الطائفة الشيعية؛ لم تُسجّل لهم أي مُشاركة سياسيّة موحّدة؛ كما تجلّى ذلك في غيابهم عن (ائتلاف التجمعات الوطني/2005م)، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ التحضير لتدشين المشروع الجديد يأتي في طليعة دواعي عدم المشاركة.
وممّا يُعزز هذه الرؤية أنّ أصحاب هذا المشروع ممن سعى باتجاه تقويض (الائتلاف الإسلامي الوطني/1991م)؛ تمهيداً لولادة كيان جديد مستقل سيتحرك في المستقبل على أساس مبدأ (الوصاية)، مما أدّى إلى تجميد نشاطه، وانحلاله في نهاية الأمر، ولا نحتاج هنا للتدليل على هذه الدعوى، لوضوح الاتجاه العملي الذي سلكه أصحاب المشروع لتحقيق هذا الغرض آنذاك، وبصورة ظاهرة لدى سائر أعضاء الائتلاف المُنحَل، كما لا يخفى موقع هذه الخطوة في تشييد المشروع، إذْ من الواضح جداً أنّ (الوصاية) توجب أنْ يكون (الوصي) متقدّم مرتبةً على (الموصى عليه)، وهذا مما لا يُمكن إحرازه مع وجود (الائتلاف) الذي تذوب فيه الفوارق والمميزات بمقتضاه، مُضافاً لكون فكرة (الوصاية) مما لا يُمكن القبول بها من قِبل سائر منتسبي الائتلاف، وهذان العاملان سيدفعان أيضاً إلى خيار عدم المشاركة في الائتلاف القادم (أعني 2005م)، حيث تغيّبوا عنه، ولم ينل منهم حتى المُباركة !
نعم كانت هناك بعض الخطوات العملية المُضمرة في محاولة التنسيق مع بعض امتدادت القوى والتجمعات السياسية الشيعية على المستوى الثقافي والاجتماعي، إلى جانب بعض الخطوات المُعلنة على المستوى السياسي كمحاولة الاشتراك بالتمثيل النيابي في البرلمان من خلال القوائم الانتخابية، إلاّ أنّها مع ذلك لا ترتقي إلى مستوى الاتحاد الذي يلقي بظلاله على جميع أبعاد الحركة أو التيار، بحيث يُشكّل كياناً واحداً غير قابل للفرز، مع أنّ مقاصد هذا المقدار من الاتفاقات المُبرمة تنحصر بتحقيق بعض الطموحات التي يتطلع إليها أصحاب المشروع، والتي توزّعت بين محاولة الاستفادة من القواعد الشعبية لتلك القوى والتجمعات السياسية في رفع سقف الأصوات الانتخابية، وبين خدمة مشروع الوصاية وتُغذّيته، وإنْ غاب هذا الأخير عن الأطراف الأخرى المُشاركة، بصورة يأتي توضيحها في محلّه من سلسلة هذه المقالات، والحاصل أنّ الهدف من تلك الخطوات هو تسجيل بعض الأهداف لصالح هؤلاء؛ ولو كان على حساب الطرف الآخر الذي دُعي للعمل المشترك.

قراءة في الخطّة الإجرائية:
يتم تنفيذ مشروع الوصاية بمهارة سياسية فائقة، وعبر عدة خطوات إجرائية مدروسة بدقّة واحتراف متناهيين، وتتبلور في بعدين:
البُعد الأوّل: صياغة خطاب خاص موجّه لخارج المحيط الشيعي
البُعد الثاني: تفعيل حزمة إجراءات عملية على مستوى الداخل الشيعي
والوقوف على تفاصيل هذين البعدين لقراءتهما قراءة واعية؛ يقضي بضرورة عرض المُقاربة الآتية:
أوّلاً في البعد الأوّل: صياغة خطاب خاص موجّه لخارج المحيط الشيعي
بُنْيَة الخطاب الموجّه لخارج البيت الشيعي:
عمدة الجهود والمساعي المبذولة في هذا الاتجاه ترمي إلى خلق مُركّب ذهني؛ يستقر في منطقة اللاّ وعي لدى خارج المحيط الشيعي؛ يرتكز مفاده على أنّ أصحاب (مشروع الوصاية) هم النموذج الأمثل لتمثيل الشيعة، مما يستدعي بالنتيجة إلى تعامل الخارج فعلاً مع هؤلاء على أنّهم الجهة الرّسميّة أو شبه الرّسميّة المُمّثلة للكيان الشيعي في البلاد، ومما ينعكس أيضاً -مع امتداد عامل الوقت -على تلقين ذهنيات الداخل ولو على مستوى شريحة كبيرة منهم.
ويُمكن أنْ نستخلص تلك الجهود والمساعي في إطار الرؤية التالية:
مواجهة الداخل الشيعي وتأسيس ثقافة المواءمة:
يدأب أصحاب المشروع على العمل باتجاه تكريس مواجهة ورفض بعض الأطروحات في الداخل الشيعي؛ والتي تثير حساسية وسخط الطرف الآخر (الخارج)، - بعكس المرونة التي يُبدونها مع نظائر تلك الأطروحات في الخارج- ، لإيصال رسالة للخارج؛ مفادها أنّهم النموذج الناضج والأمثل للشيعة والتشيع وفق ما يقتضيه معيار الخارج، والنموذج الوحيد الذي يمكن أن تُخلق معه حالة الانسجام والتناغم من خلال المواءمة التي تصل رُبما إلى حدّ الانصهار الجزئي، ومن ثم يكون هو الأجدر والأولى لتمثيل الشيعة، مع التأكيد على كون المواجهة المذكورة تتخذ صورة الكثافة الإعلامية المطلوبة لزرع رسالة الأقدرية والأولوية بتمثيل الشيعة، وهذا ما يُفسّر المواقف البشعة والمتشنّجة التي تصدر عنهم في سياق مواجهة بعض أُطروحات الداخل الشيعي في كل مناسبة وغير مناسبة!
مع إضافة بند مهم في تلك الرسالة؛ وهو أنّ أصحاب هذا المشروع سيمثّلون دور الحارس الشخصي، الذي يتكفّل بمواجهة وإدانة أي خطاب من شأنه المساس بما يثير المساس به الخارج ويزعجه ويؤجج مشاعره، ولن يتردد هذا الحارس الشهم والمخلص في سحق أصحاب تلك الخطابات المثيرة للفتن (في نظرهم!).
التفريط العملي بالموروث المذهبي وتقنين الموقف الدفاعي:
يُمكن بسهولة رصد تفاقم ظاهرة التنازل (عملياً) عن بعض (الثوابت العقائدية) من خلال التلكؤ في نصرتها وصيانتها من المساس، وعدم الاكتراث بما من شأنه النيل من بعض المقدّسات المذهبية، أو على الأقل الاكتفاء بالعمل على نصرة بعضها فقط، وفي إطار النصرة الصورية، المقتصرة على بعض الكلمات الباهتة التي تُنشر كإعلان (مدفوع الثمن) بعنوان (بيان) في بعض الصحف!، مما لا يُقاس أصلاً بجهودهم المبذولة في نواحي أخرى، وكل ذلك يأتي في سياق تعزيز ضمان احتواء الخارج، وعدم تبدد الجهود والمشاريع المُنجزة لكسبه.
السلبية أو انحسار عنصر الإيجاب مع القضايا الشيعية:
تتبدّى -وبصورة واضحة- ظاهرة التراجع في التعاطي الإيجابي مع القضايا الشيعية العامّة في البلاد، كالسّكوت عن تعليق بعضها وتركها بلا حسم، وكعدم المطالبة الجدّية بحقوق الشيعة وتطلّعاتهم على المستوى العام، أو على مستوى الأفراد، بل تمتد هذه السلبية لتشمل حتى صورة التعاطي مع المناسبات الدينية المعروفة، فأدنى مقارنة بين ما يُبذل لبعض البرامج السياسية وما يُبذل لإحياء المناسبات كفيلة بإثبات ذلك التراجع، وهذا كله يشي –للخارج- بكون أصحاب هذا المشروع لا يشكّلون مصدر تهديد، ويفضي إلى التقليل من هاجسه في هلعه من التمدد الشيعي، مما يخدم في المحصّلة تقبّل أصحاب المشروع على أنّهم أهلاً للتمثيل المطلوب.
مضاعفة وتكثيف خطاب الوحدة:
تكريس خطاب الوحدة الوطنية، أو الوحدة بين (السنّة والشيعة) بنحو استهلاكي ومُبتذل جداً، ومع أنّنا لسنا ضد فكرة الوحدة، لكننا ضدّ فكرة تسليعها والتكسّب بها، والتعامل معها على أساس كونها رقماً في اللعبة السياسية، فتتحول من كونها غاية وهدفاً سامياً إلى وسيلة وأداة لتحقيق الأغراض والطموحات السياسية، ولا يخفى ما في العزف على وتر الوحدة من خدمة جليلة للمشروع على ضوء ما ذكرناه آنفاً.
تبنّي وتنامي مبدأ الموالاة مع السلطة:
الانفتاح الكاريكاتيري المُفرط على السلطة، والارتماء بين أحضانها؛ بمعونة تحريك بعض الوجهاء والتجار الذين تربطهم علاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية بالسلطة، بل ومحاولة إيجاد أرضية للتنسيق المُباشر مع بعض أجنحة الأسرة، وكل ذلك بصورة قابلة للرصد من قبل المُراقب العادي، والذي تلقّاه بعض المراقبين على أنّه نوع من أنواع التأرجح السياسي، الذي تقتضيه الممارسة السياسية والظرف الزماني الضاغط!، وغفلوا عن موقع هذه الخطوة وما تختزنه من دلالات تأتي في سياق تنفيذ وتمرير المشروع المُزمع فرضه كواقع في الوسط الشيعي.
فسياسة الانفتاح المذكورة توفِّر بعض المكتسبات السياسية ذات القيمة العالية التي يُمكن أنْ يحظوا بها من جهة، ومن جهة أخرى، محاولة الحصول على شرعية سياسية للوصاية؛ تنحدر من مضلّة جهة عُليا، لتحرج الشيعة أو على الأقل قسم كبير منهم، وتضعهم أمام الأمر الواقع -كما يُقال-، مُضافاً إلى اقناع قسم آخر منهم بكون هؤلاء مأهّلّين لقيادة الشيعة والوصاية عليهم؛ لما لديهم من حظوة وموطئ قدم عند السلطة، أو على أقلِّ تقدير؛ تُوْهِم الشيعة -من خلال التغطيات الإعلامية والبرامج الميدانية التي تُبرز جانب الانفتاح والتعاون مع السلطة - بأنّ أصحاب هذا المشروع يتوفرون على تلك الحظوة المزعومة.
ثانياً: في البُعد الثاني: حزمة إجراءات عملية على مستوى الداخل الشيعي
يُمكن إجمالها كالتالي:
توظيف حالة تشظّي البيت الشيعي لصالح المشروع:
الاستفادة من حالة الاختلاف والتّشظي التي تبدو ظاهرةً بين الخطوط والأطياف الشيعية بصفة عامّة، التي تفرضها أحياناً اختلاف المرجعيات، أو عدم الاتفاق على صيغة موحّدة للعمل السياسي، أو اختلاف بعض القناعات الذي ينعكس أثره على صورة العلاقة وطبيعتها، وهذا ما يُفسِّر إهمال أصحاب هذا المشروع للسعي نحو الوحدة داخل البيت الشيعي؛ إزاء المبالغة في السعي المتضخم والمفرط نحو نظيرها مع خارجه، لأنّ الوحدة داخله من الواضح أنّها تجهض مشروع الوصاية، إذْ لن يُنفّذ هذا المشروع مع فرض وجودها إلاّ بعد إحراز موافقة الداخل بكافة أطيافه الموحّدة -حسب الفرض-، وهذا مما لا يُمكن أنْ يقبله مجموع الشيعة بأي نحو من الأنحاء، لذا فكرة الوحدة (الشيعية الشيعية) لا يمكن أنْ تخدم مشروع الوصاية، بل كفيلة بإرهاقه والقضاء عليه لو قُدر لها أن تتحقق.
تعزيز حالة الانقسام والاختلاف داخل الخطوط والتيارات:
يعمد أصحاب المشروع إلى إيجاد أعمال بسيطة وهشّة مشتركة مع بعض الخطوط والتيارات الشيعية على المستوى الثقافي والاجتماعي، وذلك بالاستفادة من ظاهرة التصدّعات أو الاختلافات داخل تلك الخطوط والتيارات أنفسها، فيتم استهداف الأجنحة التي تقبل بمقدار من العمل المشترك مع أصحاب هذا المشروع، ويُراد من هذا العمل تحقيق مطلبين (أو أكثر)؛ أولهما المساهمة في تعميق حالة الاختلاف داخل التيار الواحد، إذْ أنّ إيجاد عمل موحّد مع هؤلاء، رُبما يثير حفيظة سائر (أو بعض) الأجنحة الأخرى، مما يزيد في هُوّة الخلاف، فتتعزز بذلك حالة الانقسام، وما يقود إليه من ضعف التيار وإنهاك قِواه وشبه انهياره بسبب انشغاله بالصراع الداخلي، مما يولّد الغفلة عن متابعة الساحة بالنحو الدقيق، مُضافاً لشبه إخلائها لأصحاب المشروع.
اختراق مكوّنات البيت الشيعي:
وثانيهما اختراق الخط أو التيار والتسلل إلى معاقله لاستقطاب فئة الشباب والناشئة، فإنّهم أقصر الطرق وأسهلها للاستيلاء على طاقات الخط أو التيار، ويتم ذلك عبر الاستفادة من العلاقات الاجتماعية والاحتكاك العفوي نتيجة ما تفرضه طبيعة محدودية المجتمع الكويتي، وتقلّص مساحة الأرض نسبياً، والالتقاء العفوي في المدارس والجامعات والوظائف في الدوائر الحكومية، وغيرها.
التنظير لصناعة (قائد) شيعي واستيراد ثقافة القيادة:
الدفع باتجاه صنع (قائد) ميداني للشيعة داخل الكويت، مستوردين بذلك تجارب بعض الدول التي اقتضى الوضع السياسي والظروف الموضوعية والأجواء الماثلة فيها؛ ضرورة وجود قائد شيعي تتلاشى عنده أي قيادة أخرى، وتفقد القرارات قيمتها في محضر قراراته الصادرة وتوصياته، قضاءً لحقِّ التبعية والانقياد، فيُديرهم بصفة عامّة، ويُنظّم صفوفهم، ويتلقّون منه ما يضمن لهم استقرارهم وصون تماسكهم، مع أنّ طبيعة الحياة السياسية في الكويت تأبى ذلك، وهذا واضح بقليل من التأمّل! .
إيجاد حالة التقاطع المصلحي مع التُجّار والوجهاء:
لا يخفى موقع عنصري (التُجّار) و(الوجهاء أو الأعيان) في إنجاح أي مشروع سياسي، ولذا لم يدع أصحاب المشروع محاولة التنسيق مع بعض التجار والوجهاء الشيعة، للحصول على كل من الدعم المادي والمعنوي المطلوبين لتنفيذ هذا المشروع الضخم والحساس في نفس الوقت، ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى الحرص على إظهار العلاقة مع هذين العنصرين في الهواء الطلق بمرأى ومسمع الجميع، ولعله (من) الشواهد (الواضحة) على ذلك، والتي يُمكن أنْ يلتفت إليها المُراقب العادي؛ محاولتهم لزجِّ هذين العنصرين في بعض البرامج العامّة، لإقناع المتلقّي الشيعي أنّهم يتوفّرون على المقوّمات التي تجعل منهم أهلاً لأنْ يشغلوا وظيفة الأُمناءً على المذهب، والأوصياء على أتباعه.
إلغاء الآخر الشيعي واعتماد منطق الاستخفاف:
الاستخفاف أو الاستهزاء غير المُبرّر بالجهود التي يبذلها بعض الشيعة في سياق ممارسة حق الدفاع عن المذهب ومقدّساته، والمطالبة بالحقوق والمكتسبات الوطنية، ونقد تلك الجهود بصورة تهزّ ثقة الشارع الشيعي بها، وتظهر هذه الجهود وأصحابها على أنهم ليسوا على مستوى من الكفاءة الكافية لإيصال الصوت الشيعي للجهات المَعْنيّة، وهذا يقود إلى قطع الطريق على ناشطي الشيعة، وسحب البساط من تحت أقدامهم، واحتكار الخطاب الشيعي، بحيث تفقد أي محاولة في اتجاه الدفاع عن المذهب قيمتها من جهة، ومن جهة أخرى ما يظنون أنّ هذا الصنيع فيه تسديد ضربة عنيفة ينجم عنها هزيمة نفسية لمن تصدّى وتحرّك باتجاه تفعيل حق الدفاع والمطالبة بالحقوق، مما يترتب عليه فيما بعد العزوف عن التصدي – حسب ما يفترضه أصحاب المشروع- .
استغلال  بعض الرموز الشيعية:
استضافة بعض الرموز الشيعية الدينية منها والسياسية - سواءً تلك التي تنحدر من تيارات أخرى، أو ذات موقع مؤثّر في المجتمع الشيعي ولا تنتمي إلى تيار معيّن- في برامجهم وأنشطتهم، مما يفسح المجال لتوجيه رسالة غير مباشرة لشريحة كبيرة من أتباع هذه التيارت ولغير أتباع هذه التيارات، تحمل دلالات موهمة بوجود حالة الرضا والقبول من قبل الرموز، فلا معنى حينئذ لتردد وتحفُّظ غير الرموز، ومما يورث حالة الشعور بالضعف عند الآخر، فيكون بين خيارين إمّا أن ينكفأ على نفسه ويلتزم الصمت، أو على الأقل يُبدي اعتراضه بصوت خافت لا يترشّح عنه أيّ تغيير في الواقع، وإمّا يلحق بالركب ويكف عن الاعتراض والتمرّد! .

انتهى.

تاريخ النّشر:
نُشرت على التوالي بتاريخ:
3 ، 4 ، 5، 6 يونيو 2012

روابط المقالات في موقع جريدة (الأنباء) الكويتية:
(1)
(2)
(3)
(4)

الأربعاء، 1 مايو 2013

أَحاديثُ الشِّيعَة فَوْقَ الشُّبُهات

تعرية كتاب (أحمد القبانچي) المُسمّى بـ (تهذيب أحاديث الشّيعة)
ودفاع عن مصادر الحديث الشّيعيّة:
(الكافي، كُتب الشيخ الصدوق (قده)، بحار الأنوار، وسائل الشيعة).
بقلم
الشّيخ جابر جُوَيْر
الحلقة: (1)
بسمه تعالى
مدخل:
في ظل مُعترك المبادئ، وصراع التّيارات، والتّدفّق السّريع للرّؤى المتنافرة والنّظريات المتنافية برز على المشهد الدّيني في الآونة الأخيرة تيار داخل صفوف البيت الشّيعي يناسب تسميته بـ(التيّار التّغريبي)، ومهّمة هذا التّيار وأتباعه هو تفتيت الهويّة الشّيعيّة من خلال تقويض بنيان المذهب، والتّطلع لإيجاد مذهب جديد ليس له نصيب من مرتكزات المذهب الأصيل وأصوله ومخزونه الايديولوجي سوى اسمه وعنوانه! ؛ يقوم على أساس التّبعيّة المفرطة لخطوط الانحراف بمراتبها المختلفة التي تقود العالم، والارتماء بين أحضانها بحثاً عن مكانة في سُلّم القِيَم الذي صنعه خطّ الانحراف ونجح في بسط هيمنته الثقافيّة والفكريّة على مساحة واسعة من العالم الإسلامي!
هذا التّيار يدفع باتجاه انسلاخ المؤمنين عن هوياتهم، واستلاب موروثاتهم الدّينية وغيرها؛ لتصنع منهم مسوخاً تعيش صورة بشعة من الهزيمة النّفسيّة، والانحلال الانتمائي، إمّا من خلال العبث بالمفاهيم، ومحاولة إعادة صياغتها وتشويهها وفقاً لما تتطلبه مصالحهم وطموحاتهم الشّخصيّة، أو من خلال إيجاد مفاهيم جديدة مبتدعة لتحل محلّ كل ما هو أصيل في ثقافتهم؛ وما يُصاحب ذلك مما يأتي في سياق المساعي التي تنادي بالاندماج الثقافي –إلى حدّ الانصهار- في ثقافات أجنبيّة عن مكتسبات الأصالة الدّينيّة والأطروحة الإلهيّة، والذي يتطلّب –بطبيعته- تفكيك الهويّة بداعي تكوين شخصيّة قلقة هشّة مضمحلّة للأمّة تلائم شروط الخضوع لهذا الاندماج.
وينفّذ هذا المشروع عَبْر عدة مسارات وآليات يُمكن عنونتها بعنوان جامع وهو: (ممارسة الدّجل الفكري!) الذي يستهدف منطقة الفكر ليزعزعها ثم يحطّمها باسم:(الحداثة) و(التّمدن) و(تثوير فاعليّة العقل)، و(التجديد)، و(الإصلاح)، و(الحرّيّة)، و(النّسبيّة)، و(البلوراليسم=التعدّدية)، و(الهرمنيوطيقا)؛ لينتج لنا مُعطى وحيداً وهو: (الوعي المأزوم!).
ولعل أبرز ما يتّكأ عليه هذا التّيار هو محاولة إقصاء المؤسّسة الدّينيّة الرّسميّة (الحوزة العلميّة) وتنحيتها، أو على الأقل تقليص أدوارها ووظائفها خلال عدة آليات تعرّضنا لبيانها في بحث سابق منشور.[1]
هذا، وتتنوع السياسات التي يعتمدها هذا التّيار أو المشروع، ومنها: محاولة القضاء على الموروث الرّوائي الذي هو المسؤول الأوّل عن تشكيل ملامح المذهب وأتباعه، وتتوزّع هذه المحاولة على عدة اتجاهات، منها: محاصرة النّص واحتوائه من خلال العبث بمدلوله، أو من خلال إزاحته وإلغائه برمّته.
ويأتي في طليعة النّماذج التي تقود أحد مشاريع هذا (التّيار التّغريبي) : المدعو بـ(السيّد أحمد القبانچي)، وتجربته المثيرة للجدل، حيث عُرف بطروحاته غير النّمطيّة، وتشغيباته ومعاركه وسجاليّاته المصطنعة مع المؤسّسة الدّينيّة، وتعدّيه السّافر على مرتكزات المذهب بل اقتحامه لمسلّمات الدّين أيضاً، مع أنّ المطّلع لكتاباته يجدها رُكاماً من الشُّبهات لا تتجاوز التّرجمة والنّقل غالباً؛ نتيجة كونه مفتوناً بالبحث عن ذاته وإثباتها في كل ما يثير الجدل، ويسرق الأضواء، ويضع صاحبه موضع حديث النّاس، ويمنحه جواز الرّيادة في عالم الحداثة والتّحضّر الزّائف!، وإنْ كان ذلك يستدعي منه القفز على العقل باسم العقل! ، وتحطيم الأصيل الثّابت باسم الصّحيح المُعَقْلن!
قراءة إجمالية في طُروحات القبانچي على ضوء كتاب (تهذيب أحاديث الشيعة):
من خلال قراءة تحليليّة لخطاب القبانچي في كتابه (تهذيب أحاديث الشيعة) يمكن رصد أبرز السّمات التي يتضمّنها، ويمكن إجمالها عَبْر الآتي[2]:
أولاً: غياب المنهج والرّؤية العلميّة، إذْ يعتمد على آلية (التّرقيع والالتقاط) في بناء خطابه.
استهلك القبانچي آليّة انتقائيّة مُركّبة من ثنائيّة (التّرقيع والالتقاط) في عموم خطابه ومعالجاته، سواء على مستوى ما طرحه في هذا الكتاب، أو ما هو أعمّ منه، فمثلاً يؤصّل القبانچي في مقدّمة كتابه لهذا المنهج بقوله: (وقد وجدت أن الطريق الأقصر والأيسر هو تصنيف كتاب يتولى تهذيب أحاديث الشيعة من الأباطيل والأكاذيب الواردة في مصادر الروايات الشيعية، ووجدت أن بعض علماء وفضلاء الحوزة العلمية في إيران قد تناولوا هذه المصادر بالنقد والتهذيب وبذلوا جهودا مشكورة في هذا السبيل، فقررت ترجمة ما وقع في يدي من كتبهم ومقالاتهم).[3]
هكذا من غير تمييز أو فرز للمناهج والأطُر البحثيّة التي على أساسها تشكّلت حركة ومقولات أصحابها -الذين استعار منهم واقتبس عنهم-، وإهمال تقييمها، أو إعادة قراءتها قراءة نقديّة لضمان فاعليّتها الإجرائية وكفاءتها لبناء المشروع المزمع، بل ولا يكاد ينقضي العجب من إغفاله حتى للإشارة إلى مناهجها المُعتمدة، فيبدو أنّ وحدة غرضها كان مسوّغاً كافياً لديه لاعتمادها وابداء الشّكر لجهود أصحابها!
هكذا فقط! يبيح لنفسه استحضار المُنْجَز الفكري للآخرين وفق آليّة الالتقاط والتّجزيء، ثم الجمع والتّرقيع، متأرجحاً بين كتابةٍ هنا ونقدٍ هناك! ، دون أنْ يقدّم عرضاً لرؤية ناضجة قائمة على أساس علمي محُكم ومتين، تليق بسعة عنوان مشروعه الضخم! (تهذيب أحاديث الشّيعة) ، فلم يتطرّق القبانچي إلى المنهج أو المبنى الذي يعتمده هو شخصيّاً ويبني على أساسه نقده وتهذيبه المزعوم، مع أنّ هكذا أمر يُعدُّ من أوّليّات أدبيّات البحث العلمي، فنظراً لكونه يفتقد هكذا منهج، ويعجز عن تنفيذ الأدوات العلميّة والبحثيّة، فقد عمد إلى التقاط كتابات من هنا وهناك، ليصيغها في قالب مشروعه (النّهضوي!) و(التّطهيري!) لأحاديث الشّيعة!
لذا يتعذّر على المُتابع استجلاء طبيعة الضّابطة التي يعتمدها القبانچي ويوظّفها في طُروحاته، ليس لكونها متوارية بطبيعتها، بل لانتفائها أصلاً!
ولا يخفى أنّ تجنّب البحث الموضوعي بشأن الضّابطة جاء لصالح ما تفرضه طبيعة الرّؤية التّكيفيّة أو التّرقيعيّة التي تمنح القبانچي القدرة على تفصيل المذهب وفق المقاس الذي يريده، ووضعه في الموقع الذي يراه مناسباً في خارطة طريق المؤمنين، وبما لا يتجاوز أفق مُعطى الفهم الذي يتوفّر عليه، ومقدار ما يغذّي مركّب الهاجس الذي يحمله إزاء التّعقّل والعقلنة! الذي يُشكّل شرطاً مُلحّاً لمعانقة الحداثة وإنْ استدعى ذلك تضاؤل عقل الإنسان إلى حدّ التّورط بمنزلق الإعاقة الفكريّة! ، أو الإصابة بداء العاهة العقليّة!
ثانياً: العبث بمضامين المفردات والالتفاف على مدلولاتها.
وهو عنصر بارز ومقوّم لخطاب القبانچي، فكثيراً ما يتترّس ببعض المفردات عبر تفريغها من مضامينها المفهوميّة، لتنسجم مع النَّسق البحثي الذي هو بصدده، ولترفده بالرّصيد الزّائف من المُبرّرات العلميّة، ولعل أكثر هذه المفردات نصيباً من عبثه هو مفردة (العقل)، و(النّص الموضوع)، و(الخرافة)، يقول في مقدّمة كتابه: (وهدفي من كتابة هذا الكتاب هو تحطيم هذا الصنم المهيمن على العقول والأفكار، وزحزحة العقل الإسلامي ليبتعد عن مواطن الخرافة والوهم، وكسر هذه القوالب الضيقة التي تؤطّر الذهنية المسلمة والمتمثلة بالنصوص الموضوعة التي وضعها الدّجالون والغلاة وأصحاب الفرق السياسية باسم النبي وأهل بيته الطاهرين لينفذوا من خلالها إلى أفكار المسلمين وعقائدهم السليمة وينفثوا فيها سمومهم وخرافاتهم).[4]
مما نجم عن ذلك تلكّؤه وتعثّره المتكرر في تحديد وتطبيق مصاديق مفهوم (العقل القطعي)، والذي يُفترض أنّه المنطلق الذي ينطلق منه القبانچي في تأسيس خطابه (النّقدي!)، أو (التّهذيبي!)، أو (التّطهيري!)، كما نجده لا يكاد يستقر على ضابطة في تصنيف النّص ضمن النّصوص الموضوعة المكذوبة أو النّصوص الصّحيحة الثّابتة! ؛ ولذا من اليسير جداً اكتشاف ظاهرة تمييع الضّابطة في بحثه وخطابه –كما أشرنا إلى ذلك فيما تقدّم- لتلتقي مع تصوّراته وانطباعاته الخاصّة في معالجة النّصوص، أو على الأقل ما يلتقي مع تصورات من لجأ إلى ترجمة نتاجهم الفكري، والذي يُفترض أنّه يتبنّاه بمستوى جعله يتجنّب حتى تقييم ومحاكمة البناء (الإبستمولوجي) المعرفي الذي يؤُسس لتلك الأطروحات كما سبقت الإشارة إليه.
وعلى ضوء تلك العشوائيّة غير المبرّرة يرتكز كتاب القبانچي على ترسيخ الدّعوة إلى تنقية التّراث أو تطهيره!، متجاوزاً حتى الحداثيين في دعواهم إلى إعادة قراءة النّصوص وفق محدّدات ذكروها في محلّها -بغية تطويع النّصوص لمعطيات الواقع، أو جعلها فضاءً لمعانٍ مزدحمة، لتتحول بذلك إلى وحدات هُلاميّة مرنة-، متبنّياً اتجاهاً تغريبيّاً مُضاعفاً وموغلاً بالانحراف وهو إلغاء النّصوص، ونزع قداستها، وهدرها! بدعوى أنّ هذا التّراث تصدّى لنقله حفنة من الكذّابين والغُلاة، فتحوّل إلى صنم أحال أفكار النّاس إلى سموم وخُرافات!
ثالثاً: التّحرّك من موقع الانفعال والموقف العدائي المُفرط من المؤسّسة الدّينية.
وملامح هذه السّمة قابلة للرّصد جداً في خطابه؛ مُطّردةً على امتداد كتبه أو ترجماته أو حتى محاضراته، وكُلّها تصبّ باتجاه اتهام المؤسّسة الدّينيّة بتكميم أفواه البحث العلمي!، وتكبيل أهل الحقيقة!، وتحطيم وتسفيه جهودهم العلميّة، واختزال وظيفتها بممارسة المصلحيّة المحضة!
ومن نماذج ذلك: كتابه هذا الذي بين أيدينا، حيث يقول في المقدّمة: (أصحاب الدكاكين والمصالح الذاتية من الاحبار ورجال اللاهوت الذين فرضوا أنفسهم شرطة على عقائد الناس وسفراء الله في خلقه حيث ارتبطت مصالحهم في التفكير الماضوي الذي يهيئ لهم سلطة دينية خفية على الناس، يجدون في عملية التغيير والإصلاح الديني تهديداً لمصالحهم وسلطتهم، فأي تحرك لعقلنة النصوص أو تثوير فاعلية العقل لدى الناس ليكشفوا الحقيقة بأنفسهم، يعني ابتعاد الناس عنهم وعن افكارهم الدينية الماضوية، ولهذا تقف هذه الحفنة من أصحاب المطامع أمام كل ما من شأنه النهوض بالواقع المتخلّف للمسلمين والصعود بالأمة في مدارج الرقي والتحضر).[5]
ويعمد إلى تُعميق منشأ المشكلة من خلال تجذيرها بقوله:  (وأعلم يقينا أن قوى الانحراف ورجال اللاهوت في المؤسسة الدينية والحوزة العلمية المشغولين دوما بحراسة مصالحهم ومراكزهم من غضب الحقيقة سوف يتحركون بشدة ضد هذا الكتاب وصاحبه ويقومون بتحريض العامة واثارة الغبار في وجه الحقيقة الشاخصة).[6]
فالرّجل لا يدّخر جهداً في إبداء انزعاجه المفرط واستيائه المكثّف من المؤسّسة الدّينية وأتباعها، وكيل الاتهامات بالجملة، وابداء قلقه المتنامي من مواقفها إزاء مظاهر الانحراف في كل أبعاده!، إلى حدٍّ يُمكن تشخيص هذه الظّاهرة على أنّها بلغت مستوى (العُقدة!) المرضيّة لدى القبانچي، وستكون لنا وقفة مفصّلة مع ذلك إن شاء الله تعالى.
ويكفي للرّد على مسلكه هذا، هو الالتفات إلى الوجدان؛ إذْ لا يكاد يخفى على أصغر طالب علم في الحوزة العلميّة انفتاحها على البحث العلمي الحُر بشرط الالتزام بالضّوابط العلميّة، والتوفّر على الأهليّة والكفاءة لممارسة البحث والنّقد، وهذا ليس انحساراً في الرّؤية وقصوراً عن درك متطلبات الواقع، وتلبيتها، بل هو شرط عُقلائي تشترك فيه مؤسّسة الحوزة مع سائر المؤسّسات العلميّة على اختلاف مشاربها وحقولها، بعد أنْ كان الجميع يستهدف تقديم الأجوبة والحلول اللاّئقة للمشكلات الماثلة، والاستفهامات المُثارة، وحينئذ: لا معنى لاتهام الحوزة بحزمة الاتهامات التي وجّهها القبانچي ونظائره، ولا مجال للنيل منها بدعوى كون الحوزة تشغتل على أساس الدوغمائيّة، والأحاديّة، والجمود، والاستبداد.
رابعاً: اعتماد الأسلوب الخطابي غبر المُبرهن.
وغالباً ما تجده يسطّر كلامه بمعزل عن الدّليل والبرهان الذي يقتضيه مقام الإثبات أو النّفي، ومن ذلك تهجّمه المفرط والمتكرّر على المؤسّسة الدّينيّة، بلا إبراز دليل أو شاهد على مُدّعاه، وقد تقدّم جانب من ذلك، ولا بأس بنقل بعض كلماته بهذا الصّدد، قال في مقدّمة كتابه: (لقد تحول الموقف في رموز هذه الفئة إلى حالة طاغوتية تسعى لمحاربة كل فكر جديد وقهر كل حركة نحو التمدن والتعقل خوفاً على الامتيازات الاجتماعية والمادية التي اكتسبتها هذه الفئة من خلال عنصر التخلف الفكري الذي يعيشه العوام من الناس. وتحولت المؤسسة الدينية إلى عامل ركود على القديم، وحبوب إجهاض لكل نشاط فكري يهدف الى اصلاح الحالة المأساوية التي تمر بها الامة الاسلامية، أداة كبت لكل فكرة تطرح علامات استفهام أمام الفكر الديني السائد الذي تحول الى صنم من دون الله، فلا أحد يتجرأ على نقده ونقد هذه المؤسسة الدينية إلا ورُجم بأحجار الارتداد ورمي بتهمة المروق من الدين والعمالة للاجنبي وامثال ذلك).[7]
وعدم قدرة فهم القبانچي لوظيفة المؤسّسة الدّينية يكمن وراء كيله لاتهاماته وجرأته عليها في كل حين، ولنا بحثٌ مستقل في بلورة وظيفة المؤسسة الدّينيّة في هذه الجهة، سننشره قريباً إنْ شاء الله تعالى، وكيفما كان فإنّ الاتّهام المجرّد عن الشّاهد أو الدّليل غير مجدي عند العُقلاء، اللّهم إلاّ إذا كان القبانچي يخاطب غيرهم، فهذا شأنه، ولا معنى حينئذ لإدانته! ، وسيختصر علينا الطّريق!
دوافع كتابة الرّد:
هذه الأوراق معنيّة بالرّد والمناقشة لجانب من طُروحات القبانچي المكتوبة، ومما دفعنا لقراءة كتاباته قراءة نقديّة، وتعريتها، وبيان وما فيها، هو: التّكليف والمسؤوليّة الشّرعيّة التي تدعونا إلى التصدّي لأمثال هذه الطُروحات التي تستغرق في ممارسة الانحراف المُلمّع على مستوى من الحِرَفيّة في التّلبيس، والذي يصنع شروخاً وتصدّعات في جسد المذهب، تتّسع كلّما اتسعت دائرة المفتونين المتلقّفين الذين انطلت عليهم حيل وتنميقات هذا (التّيار التّغريبي) البغيض، فتحوّلت قناعاتهم إلى كتل مبعثرة من الشّبهات والإشكالات التي لا تكاد تستقر على شيء! ، سوى أنّها عبّأت أذهانهم وأربكت حركتهم، وعبثت ببوصلتهم، وقفزت على جميع المحاذير والمحظورات العقلية باسم العقل! ، وهي في نفس الوقت يُراد لها أنْ تتكفّل بإجهاض أي محاولة لبيان الحقّ والتّصدّي لأرباب هذا الفكر السّاقط والمُنظّرين له والمراهنين على بقائه واستمراره بديلاً عن خطّ الله الأصيل.
وعلى ضوء ذلك، سنقف مع ما اشتمل عليه كتاب القبانچي (تهذيب أحاديث الشيعة) وقفات نقديّة محكومة بالضوابط العلميّة؛ يتبيّن من خلالها زَيْف الدّعاوى التي يطلقها، وتُسهم في قياس حجم المساحة الشّاسعة التي تفصله عن الحقيقة، والله ولي التّوفيق.
إطلالة سريعة على مطالب كتاب (تهذيب أحاديث الشّيعة):
بعد مدخل الكتاب الذي عنونه القبانچي بـ:(همسة مع القارئ)، يشرع بالفصل الأوّل، الذي اشتمل على نقد كتب الحديث الشّيعيّة (أصول الكافي للشّيخ الكُليني (قده)، كتب الشّيخ الصّدوق (قده)، وسائل الشّيعة للشّيخ الحرّ العاملي (قده)، بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي (قده)، مقدّما قبل ذلك ببحث حول الأخبار التي تدل على جعل (وضع) الأحاديث.
ويتلوه الفصل الثّاني الذي أفرده لنقد أحاديث التّفسير وكتب الدّعاء والزّيارة.
ثم يشرع بالفصل الثّالث بعنوان: دراسات في نقد الحديث، واشتمل على ثلاث مقالات تخدم موضوع الكتاب خدمة غير مرتّبة!
وأخيراً ألحق كل ذلك بالفصل الرّابع الذي لخّص فيه كتاب (الموضوعات في الأخبار والآثار) للسيّد هاشم معروف الحسيني.
هذا وصرّح القبانچي كما وافاك في هذه المقدّمة أنّه قام بالاستعانة بأبحاث غيره في هذا الصّدد، وقام بترجمتها، قال:
(أمّا الكتب الأخرى التي قمت بترجمة ما ورد فيها حول هذا الموضوع، فهي:
1- حديثهاى خيالى (لأية الله الشيخ صالحي نجف آبادي)
2- عرض أخبار اصول (تأليف السيد ابو الفضل بن الرضا)
3- زيارت وزيارت نامه (تأليف حيدر علي قلمداران)
4- نقد كتب حديث (للسيد مصطفى الطباطبايي) ).[8]

جابر جُوَيْر
يتبع ،،،

[1] راجع: (محاولات تهميش الحوزة العلميّة...قراءة تحليليّة في الدّوافع والآليّات)، بحث منشور في مدوّنتي الشّخصيّة على شبكة الإنترنت:
[2] ستقف على نماذج وشواهد تطبيقيّة لما ذكرناه في محلّه إنْ شاء الله تعالى.
[3] تهذيب أحاديث الشيعة ص9.
[4] تهذيب أحاديث الشيعة ص7.
[5] تهذيب أحاديث الشيعة ص6.
[6] تهذيب أحاديث الشيعة ص9.
[7] تهذيب أحاديث الشيعة ص7.
[8] تهذيب أحاديث الشّيعة ص9.