الجمعة، 30 أغسطس 2013

أسرة المددي العُلمائيّة

بقلم/ الشيخ جابر جوير
أسرة سماحة سيدنا الأستاذ أحمد المددي (دام ظله الشريف) أسرة عُلمائية معروفة في الأوساط العلمية بكفائتها العلمية وشموخها الإيماني، فهي تضم علماءً وفقهاءً منذ زمن الشيخ الأنصاري (قده)، وهي عائلة مشهورة معروفة في خراسان (مشهد الإمام الرضا (ع) ) من قبل180 سنة تقريباً.
وحسبنا ما رأيناه وعايشناه في شخصية سماحة سيدنا الأستاذ آية الله المحقق السيد أحمد المددي (دام ظله الشريف) تلك الشخصية الرسالية التي كانت بحق غصناً من شجرة مباركة، بحيث اختزلت شخصيته ما اشتملت عليه هذه الأسرة العلمائية العظيمة المتفانية في خدمة الدين والقيم من كمالات على المستوى العلمي والسلوكي التي يندر وجودها في كل عصر.
كان الجد الأكبر لسيدنا الأستاذ (دام موفقاً) اسمه (السيد علي مدد)، وكان معروفاً بالسيادة، فهو يرجع إلى أحد أبناء الإمام الكاظم (ع) المُسمّى بـ (إسحاق بن موسى بن جعفر (ع) )، والمذكور في كتب الأنساب والمشجرات كالمجدي وغيره، وكان له أبناء كُثر في الحجاز والعراق وخاصة الحلّة، وجماعة منهم هاجروا إلى خراسان.
والذي أعرفه أيضاً أنّ جد السيد الأستاذ (دام مُسدداً) حصل على إجازة اجتهاد من المحقق النائيني (قده)، وكذا من السيد أبي الحسن الأصفهاني (قده)، وكان أيضاً من تلامذة المحقق آقا ضياء العراقي (قده).
وأذكر أنّ السيد الأستاذ (دام عزّه) أخبرني: أنّ جدّه السيد علي مدد الموسوي (قده) الذي كان من العلماء الأعلام المعروفين جداً وكان من خواص تلامذة المحقق النائيني (قده) بحيث أنّه كان يُصر أنْ يجعل السيد علي مدد (قده) على يساره دائماً في جلساته ما دام المددي موجوداً.
وأمّا ما يرتبط بالسيد الفقيد (قده) الذي كان من مواليد 13 رجب 1339 هـ، فقد تعرّف في صباه على المحقق النائيني (قده) بحكم العلاقة التي تربط بين أبيه وبين المحقق النائيني (قده)، وكان يزوره في بيته مع أبيه (جد سيدنا الأستاذ)، وكان للمحقق النائيني (قده) طعام خاص به يشتمل على شيء محدود من دجاج وغيره، فكان المحقق النائيني (قده) يُقدّم الطعام الخاص به إلى السيد الفقيد (قده) ويلقمه بيده الشريفه لكثرة حبه له، وتعلّقه به.
وصاهر السيد الفقيد (قده) المحقق السيد أبا الحسن الأصفهاني (قده) في السنوات الأخيرة من حياة السيد الأصفهاني (قده)، حيث تزوج ابنة ابنته وأنجب منها سماحة سيدنا الأستاذ آية الله السيد أحمد المددي (دام ظله الشريف)، كما حضر مقداراً من دروسه في حوزة مشهد المقدّسة.ومن أبرز أساتذته أيضاً زعيم الحوزة العلمية المحقق السيد الخوئي (قده)، ويُعدّ من الطبقة الأولى من تلامذته، حيث كان من تلامذته إمّا في الدورتين (الأولى والثانية) أو (الدورتين الثانية والثالثة)، (بحسب ما أخبرني سيدنا الأستاذ (حفظه المولى) والترديد منه).
وكان يقول الأستاذ (حفظه الله تعالى): (وأظن لا يوجد أحد حياً من أبناء هذه الدورة على وجه الأرض!).
وكتب (قده) تقريرات ما حضره من أبحاث المحقق السيد الخوئي (قده) في الفقه والأصول، إلاّ أنّها لم تُطبع حتى الآن مع الأسف الشديد.
وعلى ما ببالي أنّه (دام تأييده) قال لي في إحدى المرات: كنت أذكر الوالد (السيد الفقيد) عندما جاء من إيران إلى النجف الأشرف بعيد رحيل آية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قده)، أنّ المحقق السيد الخوئي (قده) دعا الوالد بنفسه إلى بيته وأقام مأدبة طعام على شرفه.ومما ذكره لي (دام مُسدداً) أيضاً في بعض الجلسات الخاصّة: أنّ السيد الخوئي (قده) طلب من السيد الفقيد (قده) أنْ يكون وكيلاً مُطلقاً عنه في محافظة خراسان كُلها ، ولكنه اعتذر عن ذلك لما فيه من أعباء ومسئوليات تصرفه عن المتابعات العلمية.
وأضاف لي (أطال الله بقاءه): سنة 1375 هـ هاجر المرحوم الجد (قده) إلى مشهد المقدّسة مع الوالد وسائر أولاده، وكان عمري (أي سيدنا الأستاذ) خمس أو ست سنوات.وخلال فترة 25 سنة كان يصلي (الجد) إمام جماعة في الحرم الرضوي الشريف، وكان يقيمها بشكل خاص عند الرأس الشريف، علماً أنّ هذا المكان كان لا يصلي فيه سوى أحد العلماء الكبار وهو آية الله السيد يونس الأردبيلي (قده)، وبعد وفاته قُدّم لسماحة الجد، ثم أعطاه الجد للوالد وإلى الآن لم يجعلوا هذا المكان لأحد بعد ترك الوالد له بسبب دواعي المرض والسن، ولذا لا نجد صلاة الجماعة تُقام فيه حتى الآن.وأمّا مشايخه في الرواية ونقل الحديث، فهم كُثر ، وقد تشرفت بأن أروي عنه بواسطة ابنه سيدي ومولاي وأستاذي وصاحب الفضل الكبير عليّ سماحة آية الله المحقق السيد أحمد المددي (دام ظله الشريف) عنه عن مشايخه، ومنهم:
1-آية الله العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني (قده).
2-آية الله العظمى المحقق الميرزا النائيني (قده).
3-آية الله الشيخ عباس القمي (قده).
4-آية الله السيد علي مدد الموسوي (قده).
وغيرهم من الفقهاء الأعلام أعلى الله تعالى مقامهم الشريف.

وتفصيل الطرق مذكورة في إجازتي الروائية التي منحني إياها جناب سيدنا الأستاذ (دام ظله الشريف) ، وهي إجازة كتبية (خطيّة) مفصّلة عندي بخط يده الشريفة تقع في (9 صفحات) من القطع الكبير، وقد وقعت إجازته لي في سنة 1428 هـ في مدينة قم المقدسّة ( حرسها الله ).
ولا يفوتنا هنا أنْ نشير بأنّ السيد الفقيد (قده) هو خال آية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي (حفظه الله تعالى) رئيس القوة القضائية السابق في الجمهورية الإسلامية صانها الله من كل مكروه.
وأخيراً: تجدر الإشارة هنا إلى أنّ شخصية السيد الفقيد (قده) الذي كان من العلماء الربانيين الحقيقين تنطوي على الكثير من الفضائل والمكارم والأبعاد التي تستحق التأمل واستلهام الدروس والعبر منها، فقد كان يتمتع بطيب نفس استثنائي، وكان مُجسّداً حقيقياً لسلوك وأخلاق أجداده المعصومين (ع)، وكان متألقاً في سماء الورع وخلوص العمل، مضافاً إلى كونه معروفاً بكرمه وخدمته للناس وقضاء حوائجهم، واحترامه للآخر، وكان يتسم بتواضع جمّ قلّ أينْ يكون له نضيراً في هذا الزمان، والحديث عن الجوانب المشرقة في حياته يطول، وبحق كان سيدنا الراحل (نور الله مرقده) نموذجاً في الشخصية المباركة التي لا تألوا جهداً في عطائها وإنتاجها، وصدق سيدنا الأستاذ (دام ظله العالي) في تعبيره عن والده الفقيد (قده)، بأنه: (قطعة من الحب والإخلاص).
أسأل الله العلي القدير أنْ يرحمه ويتقلبه قبولاً حسناً، ويحشره مع أجداده صلوات الله عليهم، وصل اللهم على محمد وأله الطيبين الطاهرين، والحمد لله رب العالمين.


نعي سماحة آية الله السيد محمد علي المددي ( قدس سره ) والد سماحة آية الله السيد أحمد المددي ( حفظه الله ) ، توفي يوم السبت 2 / شوال / 1431 هـ عن عمر يناهز 89 سنة :
بسم الله الرحمن الرحيم
(الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إنَّا لِلّهِ وإنا إِلَيْهِ رَاجِعونَ • أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
تلقينا بعظيم الأسى وبالغ اللوعة نبأ وفاة فقيه أهل البيت (صلوات الله عليهم) العالم الرباني آية الله المحقق الحاج السيد محمد علي المددي الموسوي (قدس الله نفسه الزكية وطيب ثراه) الذي لبّى نداء ربّه في مدينة مشهد المقدسة.لقد كان رضوان الله تعالى عليه مفخرة من مفاخر الحوزة العلمية المباركة، ومن أعاظم علمائها ، ومحققيها في علوم ، ومعارف أهل بيت العصمة (صلوات الله عليهم)، وكان رمزاً في العطاء في سبيل الإسلام والمسلمين، وقد ثُلم الإسلام بفقده ثُلمة لا تُسَدّ بشيء أبداً، ولا يسعنا إلاّ أنْ نسلم أمرنا إلى الله تبارك وتعالى، ونتقدم بأحر وأصدق التعازي لمولانا صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف)، ولأستاذنا العزيز وقرة عيننا الفقيه الكبير آية الله السيد أحمد المددي (دام ظله الشريف)، ولمراجعنا العظام، وعلمائنا الأعلام، وسائر المؤمنين في العالم الإسلامي.ونبتهل إلى العلي القدير أنْ يتغمّده بواسع رحمته، ويدخله فسيح جناته، ويحشره مع النبي وآله صلوات الله عليهم أجمعين.

جابر جوير
الكويت
الأحد
3 من شهر شوال 1431 هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق