الاثنين، 20 أبريل 2015

مُنْيَة الرّاغب في دفع الإشكال عن (صلاة الرّغائب) - 1






مُناقشة عُمدة الإشكالات المُثارة على صلاة الرّغائب
مُطالعة نقديّة في إفادة [سماحة السّيد مُرتضى المُهري (دام عُلاه)] أنموذجاً

~| الحلقة: 1 من 3 |~

بقلم/ الشّيخ جابر جوير 

  
محتويات الحلقة:
1-توطئة 
2-صلاة الرّغائب في الميزان الفِقهي
3-عُمدة الإشكالات المُثارة
4-مناقشة الإفادة الأولى: أنّ رواية صلاة الرّغائب رواية واحدة






مُنْيَة الرّاغب في دفع الإشكال عن (صلاة الرّغائب)
مُناقشة عُمدة الإشكالات المُثارة على صلاة الرّغائب
مُطالعة نقديّة في إفادة [سماحة السّيد مُرتضى المُهري (دام عُلاه)] أنموذجاً
~| الحلقة: 1 من 3 |~
 (1-توطئة، 2-صلاة الرّغائب في الميزان الفِقهي، 3-عُمدة الإشكالات المُثارة، 4-مناقشة الإشكال الأوّل)

بقلم/ الشّيخ جابر جوير

باسمه تعالى
توطئة:
     فإنّ مسألة (صلاة الرّغائب) مِن المسائل التي أثارت أصداءً مِن الجدل في السّاحة الشّيعيّة الكويتيّة، بل وفي غيرها أيضاً، ووجدتُ فيما أثاره سماحة السّيد مُرتضى المُهري (زيد فضله) مِن إشكالات على هذه الصّلاة ما يصلح أنْ يكون -في تقديري- أنموذجاً للاعتراض الجامع على هذه الصّلاة.
     ولمّا كان ما أثاره سماحته (دام تأييده) قد تبيّنْتُ عدم تماميّته بعد تقليب نّظري القاصر فيه؛ وجدتني أنتخب هذا الأنموذج وأنشط لممارسة المُعالجة العلميّة عليه، وأعزم على المراجعة النّقديّة التّدقيقيّة فيه، ثمّ أُفرغ ذلك كلّه في قالب التّدوين والكتابة بعد أنْ تحرّيت له وجوه التّوضيح والبيان، وأمضيتُ على نشره وبثّه نيّتي؛ لدفع الإشكال عن هذه الصّلاة مِن جِهة، وللإسهام في الحِراك العلمي المطلوب على مستوى السّاحة المحلّية وغيرها؛ برفدها بالمُتابعات العِلميّة، وإضافة ملفّ جديد مِن الملفّات العلميّة التي لم تأخذ حقّها مِن التّحقيق الدّقيق والدّراسة الجادّة مِن قبل، بعيداً عن التّشنجات، والغوغائيّات التي لا تليق بالمؤمنين، والتي لا تنتج سوى تراجعاً ثقافيّاً وأخلاقيّاً - مِن جِهة أخرى.
    وينبغي أنْ أشير في مطلع هذه الدّراسة إلى أنّ سماحة العالم الجليل السّيد مُرتضى المُهري (حفظه الله تعالى) هو ربيب العلم وتوأم الفضل، مِن شجرة طيّبة ودوحة كريمة، ومِثله يطأ أعراف المجد، وليس مِثلي مَن يُعرّفه ويُجلّيه، ولكنّي أحرص على حفظ مقامه الشّامخ وفضله العِلمي والأبوي، مع عدم الاجتماع مِنّي على رأيه في هذه المسألة، ولا أراه قد أثار إشكالاته إلاّ مِن وحي غيرته المفرطه على المذهب، وواقع اهتمامه المُتدفّق بصلاح شؤون المؤمنين (أعزّهم الله)، وما تنزع همّته لترشيد سلوكهم، وتواتر عطائه في تصحيح حركتهم، وتقويم أحوالهم، غاية الأمر أنّي  -بحسب مبلغ عِلمي، وحدّ نظري القاصر-  لا أراه قد أصاب الحقيقة في أطروحته تلك -كما قُلتُ آنفاً، مع شدّة توخّيه لها، وبُعد بصيرته بمواضعها، على ما تشهد سيرته، وتُنبئ عنه مساهماته ومداخلاته العِلميّة، فمِن وحي ذلك كلّه كانت هذه المُناقشات والتّأمّلات على أعقاب تلك الرّؤية القاصرة منّي، أقدّمها وقد لبستُ عطاف الحياء، والله مِن وراء القصد.
جابر جوير
     صلاة الرّغائب في الميزان الفِقهي:
     لا يخفى أنّ (صلاة الرّغائب) مِن الأعمال العِباديّة التي توفّر عليها الموروث الرّوائي الشّيعي، إلاّ أنّها -بالنّسبة إلينا- لا نجد لها حضوراً في المشهد الرّوائي، والمناخ الفقهي القديم الذي تحكي عنه المصادر المُتوفّرة المُتلقّاة عن روّاد الطّائفة الأوائل، فكانت اللّحظة التّارخية المُبكّرة التي تتّصل بظهورها ترجع إلى القرن السّابع الهجري، وفي الوقت نفسه لم يُعثر لها على سند مُعتبر في شيء مِن مضان الأدلّة الشّرعيّة.
     ومع ذلك كُلّه: يُمكن الإتيان بها على نحو شرعي لا غُبار عليه بأحد نحوَيْن -استناداً إلى مدارك مُعتبرة[1] مذكورة في محلّها مِن الكُتب والمدُوّنات الفقهيّة، ويُعبّر عنها في لسان الفقهاء بـ(روايات مَن بلغ) - ، وتقريب ذلك بأحد النّحوَيْن الآتييَن على الأقل، وإلاّ فقد ذُكرت في محلّه وجوه أكثر مِن ذلك لا توجد مزيد فائدة مِن عرضها في المقام:
     النّحو الأوّل: التّمسك بقاعدة التّسامح في أدلّة السُّنن، والذي هو مسلك عدّة مِن أعاظم الفُقهاء، ومِن خلال هذه القاعدة تكتسب تلك الصّلاة صفة الاستحباب -إمّا بالعنوان الأوّلي أو الثّانوي بحسب المباني المُختارة- بلا كلام، فيُؤتى بها على هذا الأساس بوصفها مِن المُستحبّات، بعد كونها مِن قبيل موضوع تلك القاعدة؛ لاستيفائها الشّرائط المطلوبة في ذلك.
     النّحو الثّاني: تطبيق إجراء مقولة (رجاء المطلوبيّة)، والذي يُصحّح العمل بها، لا بعنوان كونها مُستحبّة، بل برجاء مِن المُكلّف بأنْ تكون مُستحبّة ومحبوبة في الواقع، بحث تكون مطلوبة الإيقاع والتّحقيق مِن قِبَل المُكلّف، وإنْ لم يُوَفّق للظّفر بما يدلّ على ذلك بوجه مُعتبر شرعاً، فيطمح المُكلّف بالثّواب المرافق لهذا العمل المُستفاد مِن الخبر الضّعيف، فيأتي به على ذلك الوجه.
     وفيما نحن فيه: وبالنّظر إلى المُعطيات المُتاحة لنا؛ يُمكن أنْ نقول: بأنّه لا سبيل للطمئنان، فضلاً عن العِلْم بكذب رواية (صلاة الرّغائب)؛ إذْ لا يوجد ما يوجب أحدهما لا على سبيل الوِجدان، ولا على سبيل التّعبّد، والأصل في مِثل ذلك أنّها مشمولة بإحدى النّحوَيْن الآنفَيْن، وإلاّ فإنّ انتفاء احتمال صدور هذا العمل عن الشّارع الأقدس، كما لو تحصّل الاطمئنان أو القطع بكذب الخبر موجب لصيرورة كلا المسلكَيْن بلا موضوع.

     عُمدة الإشكالات المُثارة:
     إلاّ أنّه مع ذلك أثار سماحة السّيد مُرتضى المُهري (دام عطاؤه المُبارك) عدّة إشكالات في وجه العمل برواية (صلاة الرّغائب)، وذكر في ضِمن إفادته ما يراه مُعيقاً عن حيازتها لشرط الدّخول في موضوع (رجاء المطلوبيّة)؛ وذلك بدعوى كونها موضوعة (مكذوبة) على النّبي (ص) -بحسب رؤيته الخاصّة-.
     وجاء هذا الإشكال في طليعة جُملة مِن الأمور التي ذكرها سماحته (حفظه الله تعالى) في هذ الصّدد، وإليك مجموعها:
     حاصل ما أفاده سماحة السّيد (حفظه الله تعالى) :
     اتّسقت إفادات سماحته وتنوّعت على ثلاثة أنواع:
     الأوّل: صلاة الرّغائب لم ترد إلاّ في رواية واحدة !
     الثّاني: رواية صلاة الرّغائب إنّما هي رواية سُنّيّة !
     الثّالث: القطع بكون الرّواية مكذوبة !
     وهو ما دفعنا لتخصيص هذا البحث للجواب عن جميع ما اشتمل عليه حديثه من إفادات، ومناقشتها على وِفق ما يقتضيه قانون البحث العِلمي وصناعته، وما يفرضه التّعاطي الموضوعي في أمثال المقام.
     وتجدر الإشارة إلى أنّ جميع إفادات سماحته (حفظه الله تعالى) الآنفة ذكرها في مجلسه المُبارك، ضِمن حديث له مُسجّل صوتيّاً، ومنشور في موقع سماحته الرّسمي[2]، وكذا في موقع (يوتيوب).[3]
     كما أنّه (حفظه الله تعالى)؛ أبدى اعتراضه أيضاً على هذه الصّلاة بنحو إجمالي في حديث آخر لسماحته مُسجّل صوتيّاً، ومنشور في موقعه الرّسمي[4].
    
     مُناقشة ما أفاده سماحة السّيد (دام عزّه) :
     المبحث الأوّل: دعوى أنّ صلاة الرغائب لم ترد إلاّ في رواية واحدة
     وينعقد الكلام في مطلبَيْن:
     المطلب الأوّل: تقرير ونقل نصّ إفادات سماحته
     أفاد (حفظه الله تعالى) أنّه لا توجد سوى رواية واحدة واردة بشأن هذه اللّيلة، رواها العلاّمة الحلّي (قده) في بعض إجازاته.
     قال: (رواية واحدة حول هذه اللّيلة، ليلة أوّل جُمعة مِن رجب، رواها العلاّمة الحلّي (قده)... رواها في كتاب ليس مِن كُتب الحديث؛ كتاب إجازة، يعني في إجازة أصلاً). (الدّقيقة: 1:26 وما بعدها).
     المطلب الثّاني: مناقشة ما أفاده (حفظه الله تعالى)
     أقول: يكفي الوجدان في الخِدشة بهذة الدّعوى، فقد ورد الخبر في عدّة مِن كُتب أصحابنا الإماميّة -أنار الله بُرهانهم- ومجموع الرّوايات التي ظفرتُ بها يبلغ أربع روايات بحسب ما يقود إليه التّقصي والتّتبع في المصادر المُتوفّرة، ولم أجد -بحسب مبلغ عِلمي القاصر- مَن ذكر هذا العدد قبل ذلك مِمّن بحث في (صلاة الرّغائب)، والحمدُ لله على توفيقه.
     وعليه: ما أفاده سماحته (حفظه الله تعالى) في غير محلّه.
     وإذا أردنا أنْ نُفكّك إفادة سماحته، فإنّنا نجدها راجعة لأحد أمرين:
     الأمر الأوّل: أنّه لم يستوفِ البحث، فاقتصر في مُطالعته على ما ذكره العلاّمة الحلّي (قده) في إجازته؛ فظنّ أنّ هذه الرّواية اليتيمة لا أُخت لها في مصادرنا!
      ويُلاحظ على ذلك: أنّ هذا تقصير في حقّ البحث، وهو غريب مِن مِثله (دام عُلاه)، إلاّ أنّني مع ذلك ألتمس له العُذر، فإنّ انشغالات سماحته العلميّة، وعطاءاته وخدماته الجليلة للمؤمنين (صانهم الله)، والتي فرّغ لها نفسه رُبما حالت دون منح البحث حقّه على الوجه المطلوب.
     الأمر الثّاني: أنّه (حفظه الله تعالى) مُطّلع على غير رواية العلاّمة الحلّي (قده)، لا أقلّ رواية السّيد ابن طاووس (قده) في (الإقبال)، إلاّ أنّه يختار وحدتها في الأصل، بحيث يرى أنّ الرّواية واحدة، وإنْ تعدّد ناقلوها.
     ويُلاحظ على ذلك: أنّ دعوى الوِحدة لا يوجد ما يُمكن أنْ يُركن إليه في تصحيحها -على ما سيأتي- ، فالرّوايات إنْ لم تكن مُتعدّدة؛ فهي مُتساوية النّسبة إلى الوِحدة والتّعدّد، فيُتوقّف فيها مِن هذه الجِهة، ولا معنى لترجيح دعوى على أخرى في ذلك.

     عدد روايات (صلاة الرّغائب)
     ذكرتُ فيما تقدّم أنّ الرّوايات المُتوفّر في المقام أربع بحسب ما يُفصح عنه التّتبع، وهي:
     الرّواية الأولى: رواية السّيد ابن طاووس (قده) (ت: 664 هـ)، قال في كتابه (الإقبال) : (وجدنا ذلك في كُتب العبادات مرويّاً عن النّبي (ص) ، ونقلته أنا مِن بعض كتب أصحابنا (رحمهم الله)، فقال في جملة الحديث عن النّبي (ص) في ذكر فضل شهر رجب).[5]
     الرّواية الثّانية: رواية العلاّمة الحلّي (قده) (ت: 726 هـ) ، قال في كتابه (منهاج الصّلاح) : (روى عمر بن شمر عن جابر بن يزيد الجعفي: أنّه يصوم أوّل خميس في رجب [إلى آخر الصّلاة]...ويسأل حاجته فإنّها تُقضى إنْ شاء الله).[6]
     ولم أجد مَن التفت إليها، أو اعتنى بها مع بالغ الأسف، وتكمن قيمة هذه الرّواية في أمرَيْن:
     الأوّل: أنّها مِن طريق آخر غير طريق الرّواية العاميّة المشهورة، والتي استغرقت جهود المُعترضين عليها في إثبات وضعها!
     الثّاني: أنّها مِن إضافات العلاّمة الحلّي (قده) على مصباح الشّيخ (قده)، وإضافاته في غاية الأهمّيّة، وينبغي أنْ تكون محلّ عناية أهل التّحقيق؛ وذلك لما صرّح به (قده) في أوّل كتابه، قال: (وأضفت إليه ما لا بدّ مِنه، ولا يُستغنى عنه).[7]

     تعليق وتوضيح على الرّواية الثّانية:
     أنّ مدلول رواية جابر الجعفي (رض) مُردّد بين أمرين:
    الأوّل: أنّها حكاية عن عمل يمارسه جابر الجعفي (رض) نفسه، ويظهر أنّه مُلتزم بهذا العمل بمقتضى أفعال المُضارعة في ألفاظ الرّواية (يصوم، يصلي،...إلخ).
    الثّاني: أنّها نقل لقول جابر الجعفي (رض) الصّادر عنه في مقام تقرير عمل هذه اللّيلة.
    وعلى كلا التّقديريْن فإنّ ما اشتملت عليه الرّواية يُمكن تقريب نسبته إلى المعصوم (ع) بأحد تقريبين:
    الأوّل: بناءً على أنّ المحكي هو عمل جابر الجعفي (قده)؛ فإنّه مِن البعيد جِداً أنْ لا يكون مِن جملة ما تلقّاه عن المعصوم (ع)؛ إذْ مِن البعيد جِداً أنْ يتورط مِثل جابر الجعفي (قده) في الابتداع في الدّين، بعد كونه مِن الفقهاء والأعلام الرّؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام، والفُتيا والأحكام، الذين لا يُطعن عليهم، ولا طريق إلى ذمّ واحد منهم، وهم أصحاب الأصول المدوّنة، والمصنّفات المشهورة، بشهادة الشّيخ المُفيد (قده)[8]، وكونه باباً للإمام الباقر (ع)، بشهادة السّيد ابن شهرآشوب (قده)[9]، ومن خواصّ أصحاب الإمام الصّادق (ع)، بشهادة الأخير أيضاً.[10]
     الثّاني: بناءً على أنّ روايته مِن قبيل الموقوفات، فإنّ الكلام في حجيّتها طويل الذّيل؛ مُتشعّب الأطراف، وفيه أقوال واتجاهات[11]، إلاّ أنّه يُمكن القول: أنّه غير ضار مِن مِثل جابر الجعفي (رض)، لجلالة قدره وسموّ شأنه، فمثله لا يُحتمل فيه -عادةً- الابتداع في الدّين، بحيث يخترع هذه الصّلاة محضاً، ويُنشؤها مِن عنده إنشاءً!، فلا مناص من الالتزام بكونه تلقّاها من جهة الشّرع.
     إلاّ أنّه يبقى الكلام فيمن أُخذت عنه هذه الصّلاة، ومِثل جابر الجعفي (رض) لا يأخذ دينه عن غير إمامه (ع)، ولو كان غير ذلك؛ فإنّه لا يُحتمل في مثله أنْ يأخذ ما لا ينتهي إلى الشّرع بما يشمله عنوان (البدعة)، وإنْ لم يكن مِن طريق الأئمّة (عليهم الصّلاة والسّلام)، وبذلك لا يخرج الأمر عن مُسمّى الرّواية عن الشّرع، فيكون مشمولاً بموضوع قاعدة التّسامح في أدلّة السّنن، أو رجاء المطلوبيّة، فتدبّر.
    إشكال ودفعه:
    نعم، بقي شيء ربما يضرّ -بوجهٍ ما- فيما ذكرناه مِن الاستبعادات الآنفة بحقّ جابر الجعفي (رض)، وهو اتّهامه بالاختلاط[12]، إلاّ أنّه غير ضار بعد كون المقصود مُجملاً[13] في نفسه، فتأمّل.

     الرّواية الثّالثة: رواية العلاّمة الحلّي (قده) (ت: 726 هـ) أيضاً؛ في إجازته الكبيرة لبني زهرة، مُسندة إلى أنس بن مالك عن النّبي (ص)، ونقل العّلامة المجلسي (قده) هذه الإجازة بتمامها في قِسم الإجازات في آخر (البحار)[14]، والخبر عنها الشّيخ الحُر العاملي (قده) في (الوسائل)، قال العلاّمة الحلّي (قده) : (ومِن ذلك ذكر صلاة الرّغائب روى صفتها: الحسن بن الدربي،... -وساق إسناده- )[15].
     الرّواية الرّابعة: والعجيب أنّي لم أجد مَن أشار إليها قبل ذلك!، وهي رواية السّيد علي بن الحسين بن حسّان بن باقي القُرشي (قده) (كان حيّاً سنة: 653 هـ)[16]، في كتابه (اختيار المصباح) :
     قال (قده) : (روى أنس بن مالك قال: قال رسول الله (ص) : لا تغفلوا عن أوّل ليلة جمعة منه فإنّها ليلة تسمّيها الملائكة ليلة الرّغائب...إلخ)[17].
     ونقلها الشّيخ الكفعمي (قده) في (البلد الأمين والدّرع الحصين) : (ذكر ابن باقي (رحمه الله) في (اختياره) : أنّ النّبي (ص) قال: لا تغفلوا عن أوّل جمعة مِن رجب فإنّها ليلة تسمّيها الملائكة ليلة الرّغائب...إلخ)[18].
     أمّا ابن باقي القُرشي (قده)؛ فقد حُكي عن بعض حواشي (البلد الأمين) أنّ الكفعمي (قده) وصفه بـ(السّيد الجليل).[19]
     وقال عنه الميرزا عبدالله أفندي (قده) في (رياض العُلماء) : (الفاضل العالم الكامل المعروف...صاحب كتاب اختيار المصباح للشّيخ الطّوسي قدس الله روحهما...وهذا الكتاب كثير الاشتهار عند علماء بحرين، وهم يعملون بما فيه مِن الأدعية والأعمال)[20]، وقال (قده) في وضع آخر: (له كتاب اختيار مصباح الشّيخ الطّوسي، مع ضم فوائد إليه، ومشهور...وكتاب تلخيص المصباح معروف العمل به في بحرين، مُعتبر عند علمائهم)[21].
    وقد قال العلاّمة المجلسي (قده) في (البحار) عند حديثه عن دعاء (الصّباح) عن كتابه (الاختيار) : (هذا الدّعاء من الأدعية المشهورة، ولم أجده في الكتب المُعتبرة إلاّ في مصباح السّيد ابن الباقي رحمة الله عليه)[22]، وقال في أوّل البحار : (والسّيد ابن باقي في نهاية الفضل والكمال)[23].

     روايات صلاة الرّغائب بين الوِحدة والتّعدّد
     يقع الكلام بشأن روايات (صلاة الرّغائب) مِن جِهة وحدتها وتعدّدها، فهل هي بمثابة الرّواية الواحدة فقط، بالرّغم مِن تعدّدّ ناقليها مِن أصاحبنا الإماميّة (رضوان الله تعالى عليهم)، أمّ أنّها مُتعدّدة على الحقيقة، أم أنّ الأمر لا هذا ولا ذاك؛ فيستحكم الإبهام مِن هذه الجِهة؛ فلا يُمكن حسم الموقف لصالح أحد طَرَفَيْ الاحتمال؟
     على ضوء المُعطيات التي سنذكرها بعد قليل، يُمكن القول:
1-   أنّ الشّواهد القويّة على خلاف دعوى الوِحدة، وفي المقابل لا يوجد ما يُعتدّ به في قبول تلك الدّعوى.
2-   مع فرض عدم تماميّة شيء من تلك الشّواهد؛ فإنّ البتُّ في هذا الأمر مِن قبيل الرّجم بالغيب! ، فالمصير إلى التّوقف والتّحفظ في إبداء الرأي في هذا الخصوص، فدعوى أنّ الرّواية واحدة؛ غير مسموعة.
3-   أنّ التّعدد ثابت في الجُملة كما ستعرف، فإنّ بعض الرّوايات، لا سيّما رواية جابر الجُعفي (رض) غير سائر الرّوايات جزماً.

     شواهد ومُنبّهات على التّعدد:
     أوّلاً: أمّا رواية السّيد ابن طاووس (قده)، ورواية العلاّمة الحلّي (قده) في إجازته
     فبعد إجراء المُقابلة بين الرّوايتين تبيّن لي أنّ ثمّة تفاوت واختلاف بينهما، بما يمكن أنْ يصلح شاهداً قويّاً على اختلاف مَخْرَج الخبر، وبعض هذه الاختلافات، وإنْ كان يُمكن إيعازها إلى اختلاف النّسخ مِن جهة التّصحيف أو السّقط، إلاّ أنّ بعضها  يأبى ذلك، وسنذكر مِن ذلك شيئاً يسيراً، ونُعرض عن الباقي وهو ما يُحتمل أقوى مِن غيره في أنْ يكون مِن جُملة نتائج التّصحيف والتّحريف والسّقط، ويُمكن للمُهتم المُراجعة والمُتابعة بأزيد مِمّا سنذكره:
    المورد الأول: في رواية الإقبال: (صام يوم الخميس)، ويُقابلها في رواية إجازة العلاّمة: (يصوم الخميس).
     المورد الثّاني:  في رواية الإقبال: (فإذا كان أوّل ليلة نزوله إلى قبره بعث الله إليه ثواب هذه الصّلاة)، ويُقابلها في رواية إجازة العلاّمة: (فإذا كان أوّل ليلة في قبره بعث إليه ثواب هذه الصّلاة).
     المورد الثّالث: في رواية الإقبال: (فيقول: مَن أنت؟ فما رأيت أحسن وجهاً منك!، ولا شممت رائحة أطيب من رائحتك!)، ويُقابلها في رواية إجازة العلاّمة: (فيقول: مَن أنت؟ فوالله ما رأيت وجهاً أحسن مِن وجهك، ولا سمعت كلاماً أحلى مِن كلامك ولا شممت رائحة أطيب من رائحتك).
    المورد الرّابع: في رواية الإقبال: (يا حبيبي أنا ثواب تلك الصّلاة، التي صلّيتها ليلة كذا في بلدة كذا في شهر كذا في سنة كذا)، ويُقابلها في رواية إجازة العلاّمة: (فيقول: يا حبيبي أنا ثواب تلك الصّلاة التي صليتها في ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا).
     المورد الخامس: في رواية الإقبال: (ظللت في عرصة القيامة على رأسك، وأنّك لن تعدم الخير مِن مولاك أبداً)، ويُقابلها في رواية إجازة العلاّمة: (ظللت في عرصة القيامة على رأسك فأبشر فلن تعدم الخير أبداً).
     والحاصل: إنْ تمّ تحصيل الوثوق والاطمئنان بتعدّد الخبر على ضوء المُعطيات التي ذكرناها، وهو غير بعيد؛ فهو المطلوب، وإلاّ فإنّه لا دليل على الوحدة كما لا دليل على التّعدّد، فلاحظ.
     إشكال ودفعه:
     فإنْ قيل: أنّ العلاّمة الحلّي (قده) رواها عن (الحسن بن الدّربي)،كما صرّح هو بذلك في إجازته المذكورة، وهو الشّيخ تاج الدّين الحسن بن الدّربي، مِن مشايخ السّيد ابن طاووس (قده)، قال عنه العلاّمة الحلّي: (الشّيخ السّعيد)[24]، ابن داود الحلّي (قده) في (الرّجال) : (الشّيخ الصّالح)[25]، وقال السّيد ابن طاووس (قده) في (الدّروع الواقية) : (وأخبرني الشيخ الزاهد حسن بن الدّربي رحمه الله - فيما أجازه لي من كل ما رواه، أو سمعه، أو أنشأه، أو قرأه - باسناده إلى جدّي أبي جعفر الطّوسي نوّر الله جلّ جلاله ضريحه)[26]، وعبّر عنه الشّهيد الأوّل في (الأربعون حديثاً) بـ(الإمام)[27]، وقال صاحب الرّياض (قده) : (الشّيخ الصّالح تاج الدّين الحسن بن الدربي...مِن أجلّة العُلماء، وقدوة الفقهاء، ومِن مشايخ المُحقّق، والسّيد رضي الدّين)[28]، وفي (تعليقة أمل الآمل) : (الشّيخ الصّالح)[29]، وقال الشّيخ الحُر العاملي (قده) في (أمل الآمل) : (عالم جليل القدر)[30].
     وهو مِن شيوخ الإجازة، وطريق العلاّمة إليه بتوسّط السّيد رضي الدّين ابن طاووس (قده) على ما يظهر مِن إجازته لبني زهرة.[31]
     وعليه: تكون رواية العلاّمة الحلّي (قده) في إجازته، هي نفسها رواية شيخه السّيد ابن طاووس (قده) في (الإقبال).
     أقول: هذا لا يرجع إلى محصّل؛ لعدّة أمور:
     الأوّل: أنّ جميع ذلك لا يُلازم -بالضّرورة- نقل الاثنين عن الشّيخ ابن الدّربي (قده)، فلا يُمكن التّكهن بأنّه تلقّى رواية المقام عن شيخه، واحتمال تغاير مصدرهما في هذه الرّواية متين لا دافع له، لا سيّما بضميمة ما ذكرناه آنفاً مِن اختلاف الألفاظ، وتفواتها بين الرّوايتَيْن؛ إذْ لا يوجد مانع يوجب أنْ ينقل السّيد ابن طاووس (قده) عن غير شيخه ابن الدّربي (قده) في هذا المورد، فتدبّره جيّداً.
     الثّاني: وهو ما أسوقه على نحو الاحتمال الذي لا يخلو عن قوّة، وهو: أنّ السّيد ابن طاووس (قده) صرّح بأنّه نقل الرّواية عن كتب بعض أصحابنا، بينما لا يُعرف للشّيخ حسن بن الدّربي (قده) كتاب ولا مؤلّف، ولم يلوّح مَن ترجمه بشيء مِن ذلك، بل يظهر بالتّتبع أنّه مِن شيوخ الإجازة، وراوية للكتب والمُصنّفات؛ ولذا قال المُحقّق الطّهراني (قده) : (لم يعهد له تأليف نظماً أو نثراً).[32]
     نعم، ذكر السّيد ابن طاووس (قده) في (الدّروع) -على ما مر- أنّ الشّيخ ابن الدّربي (قده) أجازه في: (كل ما رواه، أو سمعه، أو أنشأه، أو قرأه)، ومقتضاه أنّ للدربي (قده) ما أنشأه، أيّ ألّفه.
     إلاّ أنْ: يُعدل عن مقتضى مدلوله، فيُدّعى أنّه على سبيل القوّة لا الفعل، أيّ أنّ الشّيخ قد يُجيز تلميذه بمؤلّفاته التي سينجزها في القابل، وقد اتّفق نظير ذلك في غير إجازة، ومع ذلك يبقى في النّفس شيء، ولا يُمكن اقتحام الغيب، والجزم بضرس قاطع بعدم وجود كتاب للدربي (قده).
     والحاصل: أنّ تلمّذ السّيد ابن طاووس (قده) على شيخه ابن الدربي (قده)، وروايته عنه، وكون العلاّمة الحلّي (قده) يروي عنه بتوسّط السّيد ابن طاووس (قده)، يدعّم احتمال أنّ لابن الدربي (قده) ضلع في رواية السّيد ابن طاووس (قده)، إلاّ أنّ هذا الاحتمال لا يرتقي إلى الدّليل الموجب لتعيين موقف محدّد مِن القضيّة.
     ثانياً: أمّا بالنّسبة إلى رواية العلاّمة (قده) في (منهاج الصّلاح)
     فإنّ دعوى الوِحدة إنْ قبلها البعض في خصوص الرّواية الأولى (=رواية السّيد ابن طاووس (قده) في (الإقبال))، والثّالثة (=رواية العلاّمة (قده) في إجازته) -مع كونها مِمّا لا موجب لها كما ذكرنا آنفاً- إلاّ أنّه مِمّا لا سبيل لقبولها في خصوص الرّواية الثّانية (=رواية العلاّمة في (منهاج الصّلاح))، وهو لا يكاد يخفى، ومع ذلك يُمكن الإشارة إلى جهات التّغاير بينهما بما يصلح أنْ يكون شاهداً على التّعدّد، وذلك بأمرين:
    الأمر الأوّل: مِن جِهة السّند
    أنّها مرويّة عن عمر بن شمر عن جابر الجعفي (رض)، بينما غيرها مرويّ عن النّبي (ص)، تارة مُرسلةً عنه، وأخرى مُسندةً بتوسّط بعض رجال العامّة انتهاءً بالصّحابي أنس بن مالك.
    الأمر الثّاني: مِن جِهة المتن
    وهو مِن جِهتين:
    الأولى: الاختصار؛ إذْ أنّها جاءت مجرّدة عن الفضائل المذكورة في سائر الرّوايات، سوى ما يرتبط بشيء من ثوابها في آخرها، حيث جاء فيها : (ويسأل حاجته فإنّها تُقضى إنْ شاء الله)، وهذا قدر مُشترك بينها وبين غيرها.
    الثّانية: شيءٌ مُهمٌّ مِن اللّفظ؛ حيث جاء في ضِمن جملة من ألفاظها: (أنّه يصوم أوّل خميس في رجب، ثمّ يصلّي العشاء ليلة الجمعة ثم يصلي اثني عشرة ركعة).
    بينما وقع عند السّيد ابن طاووس والعلاّمة الحلّي (قدهما) : (أما من أحد يصوم يوم الخميس أول خميس من رجب ثم يصلي ما بين العشاء والعتمة اثنتي عشرة ركعة).
     والحاصل: أنّ هذه الرّواية مُختلفة عن سائر الرّوايات في المقام، ومِن المقطوع به أنّها رواية مُستقلّة بنفسها، ولا يوجد ما يُمكن أنْ يُتّكأ عليه في خلاف ذلك.

     ثالثاً: أمّا بالنّسبة إلى رواية (الاختيار) للسّيد ابن باقي القُرشي (قده)
     فثمّة ما يشهد على تغايرها عن سائر الرّوايات، ويُمكن إثبات ذلك بالتّقنيّة نفسها التي فعلّناها في سياق الحديث عن تغاير رواية السّيد اين طاووس (قده)، عن روايَتَيّ العلاّمة الحلّي (قده)، أعني الاستناد إلى اختلاف ألفاظ الرّواية، حيث جاءت بصورة يُمكن أنْ يُقال في حقّها أنّه لا يُحتمل فيها رجوع الاختلاف إلى التّصحيف والتّحريف، بنحو يُضاعف مِن احتمال النّقل المذكور؛ فإنْ تمّ ما قلناه وهو وجيه جِدّاً لا يبعد أنْ يورث وثوقاً واطمئناناً؛ فإنّا نتوفّر حينئذ- على رواية رابعة تُضاف إلى أخواتها، وإليك بعض موارد الاختلاف بينهما:
     المورد الأوّل: وقع في رواية السّيد ابن طاووس (قده) : (ثم يسجد ويقول في سجوده (سبعين مرّة) : سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والرّوح، ثمّ يرفع رأسه ويقول: ربّ اغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنّك أنت العلّي الأعظم).
      وأمّا في إجازة العلاّمة فالمُخالفة في آخر العبارة، وهو قوله : (ثمّ يرفع رأسه فيقول (سبعين مرّة) : ربّ اغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنّك أنت العلّي الأعظم).
      بينما جاء في (اختيار مصباح المتهجّد) : (ثمّ يسجد (سجدة)، ويقول في سجوده: سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والرّوح (سبعين مرّة)، ثمّ يرفع رأسه ويقول (سبعين مرّة) : ربّ اغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنّك أنت العلّي الأعظم).
      وفي المحكي عنه (=البلد الأمين للكفعمي) : (ثمّ يسجد، ويقول في سجوده: سبوح قدّوس ربّ الملائكة والرّوح، سبعين مرة، ثم يرفع رأسه ويقول: ربّ اغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنّك أنت العليّ الأعظم (سبعين مرة) ).
      المورد الثّاني: ( ويشفع يوم القيامة في سبعمائة مِن أهل بيته مِمّن قد استوجب النّار، فإذا كان أوّل ليلة نزوله إلى قبره بعث الله إليه ثواب هذه الصّلاة في أحسن صورة بوجه طلق ولسان ذلق، فيقول: يا حبيبي ابشر فقد نجوت مِن كلّ شدّة، فيقول: مَن أنت فما رأيت أحسن وجهاً مِنك، ولا شممت رائحة أطيب مِن رائحتك؟ فيقول: يا حبيبي أنا ثواب تلك الصّلاة التي صلّيتها ليلة كذا، في بلدة، كذا، في شهر كذا، في سنة كذا، جئت اللّيلة لأقضي حقك، وآنس، وحدتك، وأرفع عنك، وحشتك، فإذا نُفخ في الصّور ظللت في عرصة القيامة على رأسك، وإنّك لن تعدم الخير مِن مولاك أبداً).
      وأمّا في (اختيار ابن باقي) : (وشُفّع يوم القيامة في سبعماءة مِن أهل بيته مِمّن قد استوجب النّار، وذكر شيئاً يطول بذكره الكتاب).
     وكذا في المحكي عنه (=البلد الأمين للكفعمي).
     أقول: لأنْ كان المورد الأوّل محلاًّ للجدل والاختلاف، فإنّ الثّاني بمنأى عن ذلك كلّه؛ فإنّه مِن المقطوع أنّه ليس كذلك، وهو شاهد، بل دليل قوي جدّاً على كون السّيد ابن طاووس (قده) لم يأخذ الرّواية عن (اختيار مصباح المُتهجّد) للسّيد ابن باقي (قده)، فتدبّره جيّداً.
     موارد أخرى:
     وثمّة موارد أخرى رُبما ليس يُعتدّ بها لإثبات التّغاير؛ إذْ قد تكون مستندة إلى طوارئ النّسخ، واختلاف أيدي النّساخ، مِن ذلك مثلاً:
     المورد الأوّل: وقع في رواية السّيد ابن طاووس (قده) : (فإنها ليلة تسمّيها الملائكة ليلة الرّغائب، وذلك إذا مضى ثلث اللّيل لم [(لا)؛ في رواية إجازة العلاّمة الحلّي (قده)] يبق [يبقى] ملك في السّماوات والأرض إلاّ ويجتمعون في الكعبة وحواليها).
      وليس بينها وبين ما في (أصل اختيار مصباح المُتهجّد) سوى أنّ فيه (لا) وِفاقاً لما عند العلاّمة الحلّي (قده) في إجازته.
     بينما وقع في محكي رواية (اختيار ابن باقي) : (أنّه إذا مضى ثلث اللّيل اجتمعت ملائكة السّماوات والأرض في الكعبة وحولها).
     المورد الثّاني: وقع في رواية السّيد ابن طاووس (قده) : (يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة [واحدة؛ في رواية العلاّمة]، و(إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ثلاث مرّات، و(قل هو الله أحد) اثنتي [اثني؛ رواية العلاّمة] عشرة مرّة، فإذا فرغ من صلاته صلّى عليّ سبعين مرّة ، يقول: اللّهم صلّ على محمّد النّبي الأمّي وعلى آله [في رواية العلاّمة: اللّهم صلّ على محمّد وعلى آله].
           وليس بينها وبين ما في (أصل اختيار مصباح المُتهجّد) سوى أنّ فيه (واحدة) وِفاقاً لما عند العلاّمة الحلّي (قده) في إجازته، مُضافاً إلى أنّ ليس فيه (النّبي الأمّي وعلى)، كما أنّ بعض نُسخ الإقبال جاء فيها: (النّبي الهاشمي وآله).
     بينما وقع في محكي رواية (اختيار ابن باقي) : (يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة، والقدر ثلاثاً، والتّوحيد اثنتي عشرة، فإذا سّلم قال: اللّهم صلّ على محمّد وآله سبعين مرّة).
      المورد الثّالث: وقع في رواية السّيد ابن طاووس (قده) : (ثم يسجد سجدة أخرى فيقول فيها مثل ما قال في السّجدة الأولى).
     إلاّ أنّه لم يرد في (اختيار المصباح) : (مثل)، ومَحْكِيّه، وكذا رواية العلاّمة (قده) في إجازته.
      إشكال ودفعه:
     ولا يُقال: أنّ السّيد ابن طاووس (قده) أخذ روايته عن (اختيار) السّيد ابن باقي القرشي (قده)؛ باعتباره مُضافاً إلى كونه مُعاصره؛ فهو قد نقل عنه في مورد آخر مِن كتابه (الإقبال) الذي نقل فيه (صلاة الرّغائب) أيضاً، حيث جاء فيه ضمن سياق أدعية شهر رمضان المُبارك، في طبعتين من الكتاب: (دعاء آخر في اليوم الأوّل منه مِن مصباح السّيد بن باقي رحمه الله‌)[33]، وقد صرّح المُحقّق الطّهراني (قده) بإكثار النّقل عنه مِن قِبل السّيد ابن طاووس (قده)، قال (قده) في (الذّريعة) : (المصباح لابن باقي في الأدعية، الذي يكثر النّقل عنه السّيد علي ابن طاووس).[34]
     فإنّه يُقال:
     أوّلاً: أنّ عبارة (مِن مصباح السّيد بن باقي رحمه الله‌) غير موجودة في بعض طبعات كتاب (الإقبال)[35].
    ووجدت مُحقّق هذه الطّبعة يقول في مقدّمة تحقيقه: (يوجد في هذين الكتابَيْن موارد يظهر بالتّأمّل والمراجعة بنسخ الخطّية أنّها مِن إضافات النّساخ، كأدعية الأيّام في شهر رمضان مِن مجموعة مولانا زين العابدين (عليه السّلام) ، ومِن اختيار المصباح لسيّد بن الباقي)[36].
     وقال المُحقّق السّيد عبدالعزيز الطّبطبائي (قده) في فهرسه لمخطوطات مكتبة أمير المؤمنين (ع) العامّة في مدينة النّجف الأشرف : (أدعية شهر رمضان، جمعها بعض تلامذة العلاّمة المحدّث المجلسي في النّجف الأشرف، ناقلاً لها عن نسخة مِن كتاب الإقبال لابن طاووس، وجدها في النّجف، وفيها هذه الزّيادات على سائر النّسخ، فجمعها في هذا الكتاب، وذكر أنّ هذه الأدعية مدرجة في هذه النّسخة برواية السّيد ابن باقي، ومِن مجموعة سيّدنا زين العابدين (ع)، ثم ذكر أنّ هذه الدّعوات قد زيدت في الكتاب مِن قبل النّاسخين).[37]
    أقول: الأمر يعوزه مزيد مُتابعه ونظر في النّسخ الخطّية للكتاب، وهو ما لا يسعه وقتي المُتاح الآن!، فلعلّ الله تعالى يوفّقنا لذلك قريباً، أو يُقيّض لهذه المُهمّة مَن ينبري لها، ويُتمّها على وجهها الصّحيح.
     والحاصل: أنّ هذا المقدار يخرم الوثوق بالنّسخ مِن هذه الجِهة، ويضعنا في موضع التّساؤل عن تعيين الصّحيح منها، فلا مناص مِن التّوقف في هذا الأمر، إلى حين الظّفر بما يُفيد في المقام، وعليه: يتّضح عدم تماميّة هذا الإشكال.
     ثانياً: أنّ هذا لا يُمكن إثارته إلاّ على نحو الاحتمال؛ بداهة أنّ المُعاصرة لا يلزم منها اشتراك المُتعاصرَيْن في الأخبار التي ينقلوناه، وليس ثمّة إصرار - مِنّا - على النّفي بقدر التّأكيد على كون باب الاحتمالات منفتحاً على عدّة وجوه، ولا سبيل لحسم مادّة اختلافها.

     ثانياً: أنّه قد يُقال أنّ السّيد ابن طاووس (قده) لم ينقل عن الكتاب؛ لكونه أتمّه سنة (605 هـ) كما جاء في بعض النّسخ على ما يعكسه واقع بعض طبعات الكتاب، أو سنة (650 هـ) على ما صّرح به المُحقّق الطّهراني (قده) في (الذّريعة)[38]؛ فيظهر أنّ هذا واقع نسخته، بينما السّيد ابن باقي القرشي (قده) أتمّ كتابه سنة (653 هـ) على ما ذكره الميرزا عبدالله الأفندي في (الرّياض)، وغيره[39]؛ وعلى كلا التّقديرين يكون مؤدّاه أنّ كتاب (الإقبال) مُنجز قبل (الاختيار) للسّيد باقي القرشي (قده)، وحينئذ: لا يُتصوّر معه نقل الأوّل عن الثّاني كما لا يخفى.
     بيد أنّه يُعكّر ذلك: أنّه في بعض طبعات الكتاب أثبت محقّقها تأريخ الفراغ من (الإقبال) هكذا: (خمس و[خمسون و] ستّمائة)[40]، مِمّا يشي باختلاف النّسخ، واشتمال بعضها على ما بين المعقوفتين.
     وعليه: يقوى احتمال نقل السّيد ابن طاووس (قده) عنه، بعد كون كتاب السّيد ابن باقي القرشي (قده) مُتقدّماً عنه في وقت التّصنيف.
     والذي يحسم الأمر لصالح أحد تلك التّأريخات على نحو دقيق هو واقع النّسخ الخطّية، فإنْ لم يكن أو كان لصالح تقديم تأريخ (الاختيار)، وتأخير تأريخ (الإقبال) فإنّه يُمكن التّفصي عن الإشكال على كلا التّقديرَيْن بما حاصله: أنّ محض تقدّم كتاب (الاختيار)، لا يلزم منه - بالضّرورة - وقوع النّقل عنه مِن قبل السّيد ابن طاووس (قده) في (الإقبال).

     نتيجة البحث:
     يُمكن الانفصال عن المُقاربات التي قدّمناها في تحقيق دعوى وِحدة الرّوايات وتعدّدها؛ بصحّة دعوى اختلاف الرّوايات الأربع، لا أقل في الجُملة، فيما لو لم يتحصّل الاطمئنان بمقدار المُعطيات المذكورة في محلّها، وإنْ كان لا يبعد أنّ تلك المُعطيات موجبة للتّعدّد، وأمّا ما لم يوثق بتعدّده مِنها؛ فإنّ المُتعيّن هو التّوقّف فيه مِن هذه الجِهة، ولا معنى -حينئذ- للجزم بوحدتها.
     والحاصل: عدم صحّة ما أفاده سماحة السّيد مُرتضى المُهري (حفظه الله تعالى) في أنّ رواية صلاة الرّغائب هي رواية واحدة رواها العلاّمة الحلّي (قده) في إجازته، سواء كان كلامه مبنيّاً على قصور في البحث، بحيث لم يطّلع على غير رواية العلاّمة (قده) في إجازته الرّوائيّة، أو مُستنداً إلى دعوى وِحدة الرّوايات بوجه مِن الوجوه، مع كونها مُخرّجة على يد غير واحد مِن أعلامنا الأعاظم (طيّب الله ثراهم).

للبحث تتمّة،،،


[1]  راجع: وسائل الشّيعة للشّيخ الحُر العاملي (قده) ج1 ص80-82 ح182- 190 ب18 : استحباب الإتيان بكل عمل مشروع ُروي له ثواب عنهم (عليهم السّلام)، مِن أبواب مقدّمة العبادات، ومِن جُملة روايات الباب، الرّواية الأولى، وهي رواية الشّيخ الكليني (قده) في الكافي الشّريف الصّحيحة عن أبي عبد الله (ع)، قال: مَن سمع شيئاً مِن الثّواب على شيء فصنعه كان له، وإنْ لم يكن على ما بلغه.
[2]  يُمكن مُراجعة حديث سماحته في موقعه الرّسمي على هذا الرّابط:
والحديث مؤرّخ بـ(7-11-2014م)، بعنوان: (شعائر2).
[4]  يُمكن مُراجعة حديث سماحته في موقعه الرّسمي على هذا الرّابط:
والحديث مؤرّخ بـ( 2-3-2015م)، بعنوان: (تأكيد السيد السيستاني على وجوب التعلم).
[5]  إقبال الأعمال للسّيد رضي الدّين علي بن موسى بن طاووس (قده) ص125 ، ط.مؤسّسة الأعلمي، الطّبعة الأولى: 1417 هـ، لبنان-بيروت.
[6]  منهاج الصّلاح للعلاّمة الحلّي (قده) ص457.
[7]  منهاج الصّلاح للعلاّمة الحلي (قده) ص70.
[8]  جوابات أهل الموصل في العدد والرّؤية للشّيخ المفيد (قده) ص25 وص35.
[9]  مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب (قده) ج3 ص340.
[10]  مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب (قده) ج3 ص400.
[11]  لاحظ مثلاً: قواعد الحديث للمُحقّق السّيد مُحيي الدّين الغُريفي (قده) ص226-229.
[12]  فهرست الشّيخ النّجاشي (قده) ص128 برقم:. 332.
[13]  راجع معاني الاختلاط في: الفوائد الرّجاليّة للكجوري الشيرازي (قده) ص120-121 ، توضيح المقال للملا علي كني (قده) ص212، منتهى المقال للحائري (قده) ج1 ص120، عدّة الرجال للكاظمي (قده) ج1 ص194، الرّسائل الرّجاليّة للمُحقّق الكلباسي (قده) ج3 ص386 وما بعدها، مقباس الهداية ج2 ص302-303. نهاية الدّراية ص436-437، سماء المقال ج2 ص285.
[14]  بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي (قده) ج104 ص123-126.
[15]  وسائل الشّيعة للشّيخ الحُر العاملي (قده) ج8 ب6 ص98-99 ح 10172 ، من (أبواب بقيّة الصّلوات المندوبة).
[16]  لاحظ: الفوائد الطّريفة للميزرا عبدالله الأفندي (قده) ص456.
[17]  اختيار مصباح المُتهجّد  للسّيد علي بن الحسين بن حسّان بن باقي القرشي (قده) ص670، ط. انتشارات دليل ما، ومركز نور الأنوار في إحياء بحار الأنوار، الطّبعة الأولى: 1432 هـ ، إيران - قُم المُقدسة.
[18]  البلد الأمين والدّرع الحصين للشّيخ الكفعمي (قده) ص196-170.
ونقلها (قده) في (المصباح) أيضاً، ولكن مِن غير نسبة إلى مصدرها.
كما أنّه تصرّف في ألفاظها، حيث نقلها بصيغة التّعليم، لاحظ: المصباح (=جنة الأمان الواقية وجنة الايمان الباقية) للكفعمي (قده) ص526.
وإنْ ذكر (الإقبال)، و(الاختيار) ضِمن قائمة المصادر التي رجع إليها في تصنيف كتابه (المصباح)، لاحظ: ص772.
[19]  أعيان الشّيعة للسّيد مُحسن الأمين (ره) ج8 ص191.
[20]  رياض العُلماء للميرزا عبدالله الأفندي (قده) ج3 ص419.
[21]  رياض العُلماء للميرزا عبدالله الأفندي (قده) ج6 ص10.
[22]  بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي (قده) ج84 ص342، وج91ص246.
[23]  م.ن. ج1 ص38.
ولاحظ ما قيل فيه في: روضات الجنّات للخوانساري (قده) ج4 ص339، مستدرك الوسائل للميرزا النّوري الطّبرسي (قده) ج3 ص180، الكنى والألقاب للشّيخ عبّاس القمّي (قده) ج2 ص330، والفوائد الرّضويّة له أيضاً ج1 ص462، تكملة أمل الآمل للسّيد حسن الصّدر (قده) ج3 ص548.
[24]  بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي (قده) ج104 ص106، (مِن جُملة ما جاء إجازة العلاّمة الحلّي (قده) لبني زهرة).
[25]  رجال ابن داود الحلّي (قده) ص26.
[26]  الدّروع الواقية للسّيد رضي الدّين ابن طاووس (قده) ص78.
[27]  الأرعون حديثاً للشّهيد الأوّل (قده) ص25.
[28]  رياض العلُماء للميرزا عبدالله أفندي (قده) ج1 ص183-184.
[29]  تعليقة أمل الآمل للميرزا عبدالله أفندي (قده) ص114.
[30]  أمل الآمل للشّيخ الحُر العاملي (قده) ج2 ص65 برقم 177.
[31]  بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي (قده) ج104 ص106-107.
[32]  الذّريعة للمُحقّق الطّهراني (قده) ج1 ص465 برقم: 2324.
[33]  إقبال الأعمال للسّيد رضي الدّين ابن طاووس (قده) ج1 ص108، ط. دار الكتب الإسلاميّة، الطّبعة الثّانية:1409، إيران-طهران، وص385 من ط. مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، الطّبعة الاولى: 1417 هـ ، لينان-بيروت، قدّم له وعلّق عليه: الشّيخ حسين الأعلمي.
[34]  الذريعة إلى تصانيف الشّيعة للمُحقّق الطّهراني (قده) ج21 ص29 بعد رقم: 4119.
[35]  وهي الطّبعة التي حقّقها جواد القيّومي، ومشخّصاتها في الحاشية الآتية.
[36]  إقبال الأعمال للسّيد رضي الدّين ابن طاووس (قده) ج1 ص21، تحقيق: جواد القيّومي الأصفهاني، ط. مركز النّشر التّابع لمكتب الإعلام الإسلامي، الطّبعة الثّانية: 1418 هـ ، إيران-قُم المُقدّسة.
[37]  مجلّة تراثنا، العدد: 54، ص324، مقالة بعنوان: (فهرس مخطوطات مكتبة أمير المؤمنين العامّة النّجف الأشرف)، بقلم: السّيد عبدالعزيز الطّبطبائي (قده).
[38]  الذّريعة إلى تصانيف الشّيعة للمُحقّق الطّهراني (قده) ج1 ص364 برقم:1909، وج2 ص264 برقم:1078.
[39]  رياض العُلماء للميرزا عبدالله الأفندي (قده) ج3 ص420، وخاتمة المُستدرك للميرزا النّوري الطّبرسي (قده) ج3 ص180، الكُنى والألقاب للشّيخ عبّاس القُمّي (قده) ج2 ص330، وأعيان الشّيعة للسّيد مُحسن الأمين (قده) ج8 ص191، الذّريعة إلى تصانيف الشّيعة للمُحقّق الطّهراني (قده) ج1 ص364 برقم:1909 ، وج8 ص190 برقم: 757.
[40]  إقبال الأعمال للسّيد رضي الدّين ابن طاووس (قده) ج3 ص370، تحقيق: جواد القيّومي الأصفهاني، ط. مركز النّشر التّابع لمكتب الإعلام الإسلامي، الطّبعة الثّانية: 1418 هـ ، إيران-قُم المُقدّسة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق