الخميس، 17 مايو 2012

مقالة مُنعت من النشر منذ عامين في إحدى الصحف الكويتية!

المنبر الحسيني في ظل مسارين للخِطِاب
الشيخ جابر جوير

لا يكاد يخفى على أحد ما للمنبر بصفة عامّة والمنبر الحسيني بصفة خاصة من دور إعلامي فعّال ومؤثّر في نفوس الناس، كما لا شكّ في كون المنبر مثل غيره من الأدوات الإعلامية التي تخضع للرؤية أو المنهج الذي يتحرك المتكلم على أساس منه.
هناك منهجان عمليان – يمكن رصدهما- يُمارسهما المتكلم من خلال المنبر، ولكل منهما آثاره الخاصّة المترتبة عليه.
أمّا المنهج الأول: وهو ما نُرشّح أنْ نُسمّيه بـ(مسار البناء)، ويتمثّل في استعمال المنبر الحسيني فيما وُضع له من وظيفة تتلخص في السعي نحو ترويج وترسيخ المبادئ والقيم الإسلامية السّامية في أوساطنا الإيمانية، سواء ما اتخذ صيغة إحقاق الحق أو صيغة إبطال الباطل.
وأمّا الثاني: وهو ما يمكن أنْ نطلق عليه: (مسار الهدم)، حيث يُوظف المنبر -على ضوئه- في تحقيق الأهداف الشخصية بمعزل عن الأهداف الرّسالية التي دعا إليها خطّ الأنبياء والأوصياء (ع).
ويترتب على كلا المنهجين – بطبيعة الحال- نتيجتان مختلفتان:
أمّا المنهج الأول: فيترتب عليه خلق حالة من الوعي في نفس وذهن المتلقي، بحيث تُساهم في صياغة شخصيّة مؤمنة متزّنة تتمتع بقدر من الوعي؛ يمكن الاتكاء عليه في خوض معترك الحياة بمختلف أبعادها.
وأمّا الثاني: فإنّه يتحول المنبر من خلاله إلى مصنع للأغراض الذاتية الصِّرفة، سواء كانت تلك الأغراض بنحو جلب المنافع الشخصية، أو دفع المضار الشخصية، ولعّله من أسوأ ما يأتي في مطلعها؛ ما يستلزم النيل من الآخر ومحاولة تحطيم شخصيته، فيتحول المنبر بذلك إلى أداة لممارسة ثقافة التسقيط، ومقام للتراشق ومشروع لتصفية الحسابات، ويكون بذلك أيضاً موقعاً للتّنفيس عن الغضب الشخصي المتولد من حالة البغض؛ التي فرضتها ظروف العلاقة الشخصية.
وأمّا الدوافع الكامنة وراء كلا المنهجين فمختلفة، أمّا المنهج الأول: فلا إشكال أنّ دافعه ممحضّ بالصفة الإيمانية، بحيث يتحرك صاحبه من موقع المسؤولية، فينفتح بذلك على المجتمع، ويصنع بأدائه النزيه حركة تنموية على المستوى الثقافي والديني والسياسي.
وأمّا المنهج الثاني: فنتيجة ما يعانيه صاحبه من أزمة تتمثل بجملة من أمراض نفسية قاسية تفتك به، وهو في نفس الوقت مُبتلى بصعوبة تجاوزها، لأنّه في الواقع يعيش مشروع نفسه بمنأى عن مصلحة خط الإسلام الأصيل!، بحيث ترتكز منطلقاته على المكتسبات والمصالح الشخصية الرّخيصة؛ إلى حدّ أنّها تقترن بإلغاء جانب كبير من القيم الرّساليّة البديهيّة.
ورسالتي التي أحاول أنْ أُسجّلها من هنا إلى أصحاب المنهجين:
أمّا الأول: فإنّكم محل لتثمين الجهود والإشادة بما تُنجزون، فإنّكم أثبتم بحق كونكم ربانيين شرفاء؛ نذرتم أنفسكم لخدمة سيد الشهداء (ع)، ولا تألون جهداً في إذكاء رسالته في النفوس.
وأمّا الثاني: فإنّي أجد من واجبي أنْ أسجّل استنكاري بنحو مُعلن عليهم، لأنهّم بسلوكهم هذا قد استخفّوا بالمنبر الشريف أيّما استخفاف! ، حتى غدا ألعوبة؛ تعاملوا معها بمجازفة واستهتار، وأُذكّرهم بخطورة تدنيس المنبر الشريف بالصراعات الشخصية، وما يقود إليه ذلك؛ من تبعات لها مردودها الخطير على كيان الدين والمتدينين، بل وعلى نفس صاحب هذه المجازفة على المستويين الدنيوي والأخروي.
أرجو من الله العلي القدير بكل صدق؛ أنْ يهدي هؤلاء ويُريهم الحق حقاً ويرزقهم إتّباعه، كما أرجو أنْ يتعاطوا مع خطابي هذا بعقل وبصيرة، متجرّدين عن الهوى والضّغينة، فربما إنْ تأمّلوا ما أقول؛ رجعوا إلى ربهم، فيحظوا بقليل من العناية الإلهية.
وأخيراً أذكّر نفسي وإياك أيها القارئ العزيز بقوله تعالى: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين)، والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق