الأحد، 20 يوليو 2014

الانتصار لزعيم طائفة الأبرار (5)

في

|مسألة سهو النّبي (ص) المُختار|

الرّد على الشّبة التي أثارها (الغزي) و(فضل الله) و(الحيدري) وبعض (أهل السنة)

حول رأي المحقق السيد الخوئي (قده) في مسألة سهو النّبي (ص)

(مع قراءة نقديّة ومناقشات علميّة لأبرز الرّدود)

بقلم: الشّيخ جابر جوير

~الحلقة الخامسة: الجواب الثاني ~  

 *****************************




الجواب الثّاني
عدم حجيّة الاستفتاء مِن جِهة المدلول
     لا كلام في ثبوت نسبة الاستفتاء إلى المُحقّق السّيد الخوئي (قده)، ولكن يقع الكلام في حجيّة مداليله اللّفظيّة التي يُمكن استفادتها، وبيان ذلك:

     أنّ دلالة ما أفاده المُحقّق السّيد الخوئي (قده) -مِما ينفع أنْ يُتمسّك به في تشييد الدّعوى- في أحسن أحوالها مِن قبيل (الظّاهر)، وفي المقام عدّة ظهورات ينبغي النّظر فيها؛ ليتنقّح موضوع حجيّة الظهور، منها:

     الظّهور الأوّل: أنّ ما ورد في جواب (السّؤال=الاستفتاء) ظاهر في أنّه هو رأي المُحقّق السّيد الخوئي (قده) في المسألة.

     الظهور الثّاني: وهو الظّهور الذي عالجناه في الجواب الأوّل، بناءً على كون الإشكال يرتكز على (الحصر) المُستفاد مِن انعقاد مفهومه، وعليه: يبتني الإشكال على تماميّة ظهور عبارة المُحقّق السّيد الخوئي (قده) في المطلوب.

     ومع قطع النّظر عمّا في ذلك مِن إشكالات واردة -على ما بيّناه في محلّه مِن الجواب الأوّل- ، فإنّه يُقال أنّ التّمسك بهذا الظّهور مبتني على أنّه لا شيء داخل في مُراده (قده) وراء المقدار المذكور في الاستفتاء.

     وبلحاظ الظّهورين الآنفين:

     أقول: ثمّة مُشكلة تقف أمام محاولة تنقيح موضوع حجيّة الظّهور، التي يتطلّبها التّمسك بدعوى انعقاد الظّهورين الآنفين أو غيرهما، وهي مُشكلة غير قابلة للدّفع، مِمّا يُبطل إشكال القوم مِن رأس، ويجعل الشّبهة بلا موضوع أصلاً، وبيان ذلك:
     أنّ عبارة المُحقّق السّيد الخوئي (قده) أصلاً غير ظاهرة بنفسها في المطلوب، إذْ لم ينصّ على أنّ المُتيقِّن هو نفسه (قده)، وإنّما أحالها إلى مجهول؛ فصاغها بصيغة المبني للمجهول (أو: المبني للمفعول)، ممّا يجعل العبارة مُجملة في نفسها، بحيث يتردّد أفراد المُجمل بين أنْ يكون ما ذكره (قده) هو رأي ونظر:
1-   نفسه.
2-   هو وغيره.
3-   غيره.
     نعم، يُمكن دفع هذا الإجمال بوجه فنّي مُعتبر حاصله: أنّ ظاهر حال المُجيب (المُسْتَفْتى) أنّه إنّما يُجيب على طِبق ما يراه هو بنفسه، بداهة مَن يُوجّه إليه سؤالٌ بعنوان الاستفتاء بما هو فقيه ومرجع دِيني؛ أنّ كلامه مطلوب بنحو الموضوعيّة، لا بنحو الطّريقيّة؛ وهذا موجب لأنْ يكون كلامه مسوقاً بداعي إبراز رأيه، بل يُمكن أنْ يُقال: أنّ هذا الظهور الحالي محفوظ في سائر التّخصّصات التي يرجع إليها العُقلاء -بمقتضى طريقتهم وبنائهم- إلى روّادها ومُتخصّصيها، فيختلف موضوع الظّهور بحسب التّخصص الذي يُطرح فيه السّؤال، ويّوجه إلى المُتخصّص الذي يُطلب رأيه ويُعتنى به في مجاله.

    والمُتحصّل: أنّ الجواب صدر على طِبق رأيه هو، فيتعيّن معها المقصود من ذلك المُجمل، فيكون معناه: القدر المُتَيقّن عندي...إلخ.

  

     والانصاف: أنّ ثمّة إشكال يرد في المقام، حاصله: أنّ الشّأن كله في انعقاد الظّهور المذكور، وهو مما لا سبيل إليه فيما نحن فيه؛ نظراً إلى (الظّرف) الذي يكتنف الاستفتاء، والذي يتلخّص بأمرين:

     الأوّل: أنّ الاستفتاء لم يُمضَ نَشْرُه مِن قِبله (قده)، فإنّه لو كان؛ لكان موجباً لانعقاد الظّهور.

     والنّكتة في ذلك: أنّ رِضاه (قده) بِنَشْر هذا المِقدار من الاستفتاء فقط؛ يُعدُّ شاهداً على أنّه لا يوجد شيء زائد مُعتنىً به في صدور الجواب، وصياغته بهذا النّحو؛ فينعقد الظّهور، ويكون مفاده: أنّ الجواب مُطابق لرأيه ونظره هو (قده).

     الثّاني: أنّ الاستفتاء لم يُنشر على يد صاحبه الذي وجّهه إلى المُحقّق السّيد الخوئي (قده)، ولو كان فإنّه ممّا لم تُحرز وثاقته، وحينئذ: لا حجيّة لما اشتمل عليه.

     والنّكتة في ذلك: أنّه لو فُرض أنّ صاحبه الثّقة نشره؛ فإنّه بمقتضى وثاقته يُستظهر أنّه ليس وراء المكتوب شيء، وإلاّ كان عدم ضمّه لما يعرفه إليه في مقام الإذاعة والنّشر خادشاً بوثاقته، فيتلخّص مِن ذلك: أنّ الجواب يُطابق رأيه ونظره (قده).

     وبلحاظ الظّرف الذي أومأنا إليه فيما تقدّم؛ لا يوجد ما يصلح أنْ يكون رافعاً لأمرين:

     الأوّل: احتمال وجود قرينة لُبّية أخرى مُتّصلة تمنع انعقاد الظّهور الحالي.

     الثّاني: احتمال وجود ثمّة قرينة حاليّة تمنع مِن انعقاد الظّهور المذكور.

     وبلورة ذلك: أنّ دعوى الظّهور متوقّفة على إحراز خلو المقام من قرينة موجبة لعدم انعقاده، وخلوّ المقام من هذه القرينة غير مُحرَز، ولا أَقَلْ أنْ يكون مشكوكاً؛ إذْ يُحتمل أحد أمرين أو كلاهما:

     الأوّل: اعتماد المُحقّق السّيد الخوئي (قده) على قرينة لبيّة على نسق ارتكاز ما في ذهن السّائل، وذلك لمكان معرفته (قده) بالسّائل، أو معرفته بمرتكزاته الذّهنية؛ مما قاده إلى الاتّكاء على هذا النّحو مِن الارتكاز في بيان مقصوده على النّحو المُثبت في الاستفتاء، ولا يوجد أصلٌ في البَيْن يُنفى بموجبه احتمال الاتّكاء على هكذا ارتكاز الذي هو بمثابة قرينة لبيّة متّصلة احتمالها كاحتمال قرينيّة المُتّصل يوجب الإجمال، ويحول دون انعقاد الظّهور المُدّعى؛ بعد عدم كون المُحتمل من سِنخ القرائِن اللّفظية ونحوها مما تندرج في إطار تعهّد الرّاوي بنقلها، ويُعتبر الاعراض عن نقله لها شهادة منه بعدمها.
  
   نعم، لو فُرض أنّ ثمّة إمضاء مِن قِبله (قده)؛ فمُقتضاه: ارتفاع هكذا احتمال، وإلاّ فالاحتمال وارد، ومعه لا مجال للالتزام بانعقاد الظّهور كما عرفت.

     وحينئذ: لا يوجد ما يوجب انتفاء هذا الاحتمال ليتنقّح بمعونته موضوع حجيّة الظهور، فالمصير إلى الإجمال، فهو مُستحكم في المقام.

    الثّاني: أنّ في المقام ثمّة قرينة حاليّة اُعتمد عليها كما لو كان السّائل كان حاضراً حين تحرير الجواب؛ فاكتفى المُحقّق السّيد الخوئي (قده) بتلك القرينة؛ فجاء الجواب ناظراً إليها، ومُنسجماً معها.

     نعم، يُمكن أنْ يندفع هذا الاحتمال بأحد أمرين:
     الأوّل: لو فُرض أنْ يكون صاحب (السّؤال) الاستفتاء بنفسه ينقله، وفُرض كونه ثقة؛ فإنّه -حينئذ- : يندفع هذا الاحتمال، لأنّه يتفرّع عن كونه ثقة وكونه بنفسه ينقل الاستفتاء أنْ ينقل القرينة الحاليّة؛ ضرورة أنّ مُقتضى الوثاقة أنْ ينقل تمام ما له دخل في تحصيل المعنى كالقرينة الحاليّة المُحتمل -عندنا- وجودها في المقام، بخلاف ما لو كان النّاقل غيره كما هو الحال فيما نحن فيه.

      الثّاني: لو فُرض أنْ يكون نَشْرُ الاستفتاء مُمضىً مِن قبل المُحقّق السّيد الخوئي (قده)؛ فإنّه مع إمضائه مع كونه بهذا المقدار لا يُتصوّر وجود ثمّة شيء له مدخليّة في بيان مُراده (قده) مِثل وجود قرينة حاليّة في مقام تحرير الجواب.

     وربما يشهد على كون الجواب مسوقاً بلحاظ بعض المُرتكزات أو بالاتّكاء على بعض القرائن الحاليّة؛ أنّ (الاستفتاء) أو (السّؤال) مُركّب مِن عدّة أسئلة تصل إلى أربع أسئلة، ويتطلّب كل سؤال منها جواباً خاصّاً مُغايراً عن أخيه، بينما اكتفى المُحقّق السّيد الخوئي (قده) بعبارة موجزة، لا تتكفّل بتغطيّة الأسئلة، وتبُقيها معلّقة بلا جواب، فإنّه وإنْ كان أمر استيفاء الجواب موكولاً إليه (قده)، إلاّ أنّ هذا الذي ذكرناه يصلح أنْ يكون مؤيّداً، فتأمّل.

     يدلّنا على كل ذلك: ظروف إعداد هذا الكتاب (مُنية السّائل)؛ فالمُعدّ وجد هذه الاستفتاءات وجادةً فنسّقها وبوّبها، ثم نشرها في هذا الكتاب، مُجرّداً عن أي إمضاء للكتاب مِن قِبل المُحقّق السّيد الخوئي (قده).

     يقول المُعدُّ في مقدِّمة الكتاب: ( راودتني منذ فترة فكرة جمع ما تناثر من استفتاءات المرجع الأعلى زعيم الحوزة العلمية في العالم الإمام السيد أبي القاسم الموسوي الخوئي متع الله المسلمين بطول عمره الشريف وهي فكرة لا يخفى نفعها إن على صعيد تعميم الفائدة أو على صعيد حفظ هذا التراث المقدس...استعنت بالله وشحذت ملكة الترتيب والتبويب... أما حول ترتيب الكتاب فلقد عمدت إلى إفراد مسائل كل باب بعد أن كانت مختلطة في أوراق السائلين وحرصت على تصوير الأسئلة والأجوبة في آخر كل باب أداء للأمانة وتوثيقا لما طبع... )[1].

    أقول: فلا ندري هل هذه الاستفتاءات المُتفرّقة في أوراقها، لبعض أصحابها -على الأقل- خصوصيّة ما على النّحو الذي ذكرناه بحيث يكون لهذه الخصوصيّة مدخليّة في صياغة الجواب وسبكه؟!
     كما أنّ جامعها وناشرها لم يكن هو صاحبها، ولا المُجيب عنها (قده)، ولم تحضَ بتأييد وإمضاء منه (قده).
     وكون الكِتاب منشور في أثناء حياته (قده) لا يكفي في إحراز الإمضاء بالجملة.

     دخلٌ ودفع:

     ولا يُجاب بـ: أنّه يُمكن إحراز عدم القرينة بإجراء أصالة عدم القرينة.

    فإنّه مدخول بـ: أنّ مَدْرك هذه الأصالة هو بناء العُقلاء، ولا يوجد بناء عُقلائي على نفي القرينة المُحتملة في مثل فَرْضَي المقام، فتدبّر جيّداً.

    أو: أنّه بناءً على أنّ أصالة عدم القرينة المُتّصلة راجع إلى أصالة عدم الغفلة؛ فإنّ ما نحن فيه أجنبي عن مقولة الغفلة كما لا يخفى، إذْ الغفلة غير مُتصوّرة، كيف وأنّ المفروض أنْ يكون الغافل هو صاحب الاستفتاء نفسه، أو المُجيب عنه (قده)، بينما النّاقل للاستفتاء لا هذا ولا ذاك!
     على أنّه لو صحّ ذلك فإنّه غير مُجدٍ في جميع الفروض، إذْ لا يخفاك أنّ هذا الأصل لا مسرح له فيما لو كان الفرض وجود قرينة لُبّية مُتّصلة، وكان النّاقل هو صاحب السّؤال (الاستفتاء)، مع أنّ المقام لم يَرتقِ حتى إلى هذا الفرض، بعد أنْ عرفت خلّوه مِن دخالة صاحب السّؤال (الاستفتاء) في النّقل.

     وبناءً عليه: لا يؤمّن هذا الأصل المطلوب في المقام.

     والمُحتصّل مِن جميع ما مر: أنّه لا سبيل للتّمسك بما تضمّنه الاستفتاء مِن جواب، لا مِن جِهة عدم صحّة نسبته إلى المُحقّق السّيد الخوئي (قده)، وإنّما مِن جهة عدم استيفاء دلالته على المطلوب لشرائط الحُجيّة.

 للبحث تتمّة ،،،




[1]  مُنية السّائل، جمع وترتيب: الشّيخ موسى مفيد الدّين عاصي ص3-4.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق